مجرد بوح
يمكن أن يظل الكاتب ساعات، أمامه ورقة بيضاء غير قادر أن يعبث فيها بنزق حبره، وغير قادر أن يدير الجدل اليومي بينها وبين القلم، يظل صمت الحوار هو السائد، يرجع السبب: لنزلة البرد التي يمكن أن تعكر المزاج، ولا تجعله قابلاً للابتسام أو استجلاب الضحكة الهاربة والتي قد تسعد يوماً القراء، وتضفي لوناً ولو بسيطاً من جمال الحياة·
قد يرجع السبب إلى الانتقال إلى المكان الجديد، وتبعثر أوراقه وانهداد حيل كمبيوتره الذي غدا كفقير يجلس القرفصاء في زاويته، متدثراً عن البرد وعن الريح العاصفة·
قد يرجع السبب إلى المزاجية التي تسيّر يومه، قليل ما يفرحه، كثير ما يحزنه، ويخشى من انتقال العدوى للقراء من خلال عموده الذي يريده كل يوم جديداً، ومغايراً ويحمل لهم فكرة أو معلومة أو دهشة غائبة·
قد يرجع السبب إلى الكتابة اليومية وتعبها وإرهاقها وسرقتها للأشياء الجميلة·
قد يرجعها لتداعيات بعض الأعمدة، وجرأة طرحها، والتي تربي الأعداء الجاهزين للانقضاض، ولا تربي أصدقاء متحفزين ومنافحين دوماً بنفس الحماسة·
قد يشعر أن هناك أشياء كثيرة يريد إنجازها وركضه الدائم وراء الوقت ومغالبة الزمن·
قد يحيل كل الأمور إلى الضغوط الكثيرة التي تتراكم فجأة، وتظهر بكل ثقلها في وقت واحد، قد يقول انه اختلاط الشخصي بالعام·
قد يقول إنها قلة القراءة كعادة يومية انقطع عنها، واكتفى بنشرات الأخبار والصحف·
قد يقول ان الظروف المحيطة بنا تهجم عليه دون بصيص من أمل ونور وتحرك صحيح قد يقول انه بحاجة إلى فترة راحة حقيقية، لتنظيم التفكير وتأطير الأشياء الكثيرة المبعثرة، وتجميع الذات المنشطرة تجاه الأمور·
قد يقول انه حان وقت الاحتراف والعمل كفريق من منسقين ومعدين ومتابعين، وأن وقت اللعب - منفرداً طويلاً - يتعب الجسد ويثقل الرأس·
هي هموم صغيرة لكنها توقف الإنسان المنطلق بعد مشواره الطويل، قد لا تهم القراء، ولا يسمح وقتهم لفضفضة مشكلات وهمية وأمور صغائر، لكن من يسمعك كل يوم في أشياء عامة، قد يسمح لك بهذه المساحة ليوم واحد، تفكر معه بصوت عال، قد يسدي لك أحدهم نصيحة غائبة عنك لكنها غالية، قد يمهد لك أحدهم طريقاً تقدر أن تسلكه براحة أكبر وبمساحة أرحب، قد يعطيك أحدهم حلاً لم يتطرق له ذهنك ويرجعك عن قرار الهروب إلى الأمام أو فك الارتباط بالكتابة اليومية المرهقة والذهاب في طقوس الجميع المنقطع عنها، وأقلها التزاور الاجتماعي، وأن تكون بين الناس ولا يكفي أن تكون فقط معهم·· عذراً لهذا البوح، غير انها ثقتكم الغالية، ورحابة صدوركم··