فين الظرف؟
كنت ذات مرة في مدينة صغيرة أو 'كاونتي' من'كاونتيات' ولاية كاليفورنيا الأميركية عندما أمضيت سحابة يومي في مقر صحيفة محلية، ورغم طابعها المحلي هذا، وصغر المدينة التي تصدر منها عرفت أن لها تسع طبعات!·
أكثر ما لفت نظري إلى جانب الإمكانيات وظروف العمل شيئان، الأول أن سياسة تحرير الصحيفة لا تتأثر بملاكها عندما عرفت أن أصحابها يتغيرون بحسب الظروف المالية التي تمر المطبوعة التي تتبع شركة أسهمها متداولة في البورصة· فالمالك لا يحق له التدخل في التحرير، كما لا يملك -ولا حتى في الأحلام -حق فصل صحفي هاجمه بقلمه في يوم من الأيام!·
أما الأمر الثاني وهو الأهم في نظري فقد كانت الرواتب المرتفعة والامتيازات للعاملين، والتي قال رئيس التحرير: جرى وضعها ' بدقة'حتى لا 'يضعف' المحرر أمام إغراءات مصدره، وكما يقول أيضا الصحفي كالقاضي يجب ألا يكون أقل شأنا· ولهذا -كما أضاف الرجل الذي يشي اسمه بتحدر أسلافه من بولندا -نوفر لهم حتى 'المشروبات والهدايا الخاصة بالكريسماس'·
تذكرت هذه الواقعة بينما كنت اتابع خبر قيام إحدى الجهات عندنا بتكريم الصحفيين الذين يغطون أخبارها وقدمت لهم هدايا' نقدية'، ونشرت أغلب الصحف الخبر من دون تحرج، رغم أنه بالمعايير الأخلاقية 'رشوة' ·
وبعد موجة تلك النوعية من الصحفيين الذين كانوا يسألون قبل كل مناسبة' فين الشنطة؟' أصبح السؤال ' فين الظرف؟' ،وذات مرة صبت هذه النوعية من الإعلاميين جام غضبها على إحدى الجهات التي اعتقدت أنهم أناس 'راقون' فأهدتهم كتبا من إصداراتها المميزة مغلفة بورق الهدايا فلما اكتشفوا ما اعتبروه' مقلبا' ألقوه بها في أقرب صندوق للزبالة·