بعض الناس يجدون في لعن الظلام شماعة لتعليق فشلهم، فهذا الشاب الذي لا يرى في الدنيا مشروعاً تجارياً يناسبه لم يكلف نفسه عناء مجرد الاطلاع على تجارب الآخرين فقد دفن نفسه في صومعة ضيقة من افكاره وخيالاته المريضة فهو لا يرى إلا تحت قدميه ولا يسمع إلا صوت نفسه ولا يقرأ إلا رأيه فقط·
بعض هؤلاء يعيشون بيننا بأجسادهم ولكنهم في حقيقة الأمر يتفاعلون مع عوالم أخرى صنعوها لأنفسهم، وللأسف فإن بعض هؤلاء يرى ان المجتمع يقف ضد طموحاته وأحلامه، بل ولا يسانده عندما يطرح فكرة أو يبدي رأياً، وعندما تسأله ما الفكرة التي طرحتها وما المشروع الذي قدمت دراسة جدوى له؟ يكون جوابه: لا ريال تتحراني أقدم دراسة جدوى لمشروع في البلدية وأعطيهم الفكرة، وعقب يضعون العراقيل أمامها وبعد أحصل على المشروع في الشارع، ولكن الرخصة ليست باسمي وإنما باسم واحد من ربع البلدية أو الدائرة الاقتصادية التي اوقفت ترخيص مشروعي·
أمس خضت جدلا عقيما مع أحد هؤلاء الشباب الذين من المفترض ان تكون حياتهم طموحاً في طموح، فهو شاب في وزارة مرموقة وراتبه ممتاز وفي السابعة والعشرين من عمره وغير متزوج، ورغم ذلك فإنه يقدم نفسه على طريقة يالله حسن الختام، فهو يعيش بروح كهل وجسد شاب، فلا رغبة تدفعه للترقية الوظيفية ولا دورة تدريبية يُشغل نفسه بها بعد انتهاء الدوام، وإنما حياة رتيبة يكرر فيها أيامه كل عام 366 يوما فكل أعوامه كبيسة·
صديقنا بعد ان ينتهي دوامه وهو دوام موظف حكومي لا يفعل أكثر من شرب الشاي والزعتر والزنجبيل بالحليب يوميا، ولديه بضعة أوراق يخط قلمه عليها في قرف من الأوراق ومن الدنيا نفسها، في الثالثة ظهرا يجد صديقنا نفسه وجها لوجه مع طعام الغداء ثم يأخذ قيلولة طويلة الى ما بعد صلاة المغرب، وبعدها الى بلاد الله الواسعة من مقاهي الشيشة والكابيتشينو واللاتيه هي نوع من القهوة الغربية، ويظل صاحبنا قائما طوال الليل في هذه المقاهي وفي اليوم التالي توقظه العجوز بالصراخ قبل ان يفوته الدوام ولا تنسى ان تدعو الله ان يهديه وينعم عليه بالنشاط لا الكسل·
صاحبنا هذا ليس وحيدا فهو عضو فاعل في شلة تربطهم نفس السمات والطبائع ويجمعهم حب الكسل، بعضهم لايزال يحرص على الانتظام في الدوام ولو على سطر ويترك سطرا، والبعض الآخر طلق الدوام وفك نفسه من صدعة المنبه الذي يوقظ أمة لا إله إلا الله يومياً ويفشل في إيقاظه!
وبالطبع فإن صاحبنا لا يسمع الا رأي الشلة ولا يقف باحترام إلا أمام سوالفها فقد اقتطع نفسه من وسط هذا العالم الفسيح ودفنها تحت نيران شيشة التفاح الأحمر التي يعشقها أعضاء الشلة· صاحبنا حتى الآن لم يسأل نفسه ما الذي يمكن ان يقدمه في العمل وما التطوير الذي يمكن ان يدخله على الأداء، وما الطريقة الحديثة التي يخفف بها معاناة المراجعين على مكتبه الذي أغلقه على نفسه بعد ان احتل النوم جفونه المرهقة في التاسعة صباحا·