هذا الشاب يمثل جزءاً من شريحة يستدعي حالها الوقوف والتأمل، فهو يشتكي من كل شيء، ويتبرم من كل شيء، فالدوام من وجهة نظره ممل وياحبذا لو كانت ساعات الدوام تبدأ في التاسعة صباحاً حتى يتمكن من الاستيقاظ مبكراً، والتميز في العمل والسعي للحصول على ترقية لا يشغله، بل إنه لا يستنكف أن يعلن بملء الفم يومياً وعلى مرأى من الاشهاد من الزملاء والمراجعين أنه لا يداني الدوام، وأنه يداوم فقط حتى لا يجلس في البيت مثل بعض الحريم·
بل لا يتورع كل يوم في الإعلان عن رفضه لطلب وكيل الدائرة الفلاني لأن ينتقل للدوام في دائرته أو العمل في المؤسسة الفلانية بمرتب يفوق مرتبه الهزيل الذي يحصل عليه·
ولا يتوقف خياله الذي يتبرم فيه من الواقع عند هذا الحد بل يمتد إلى كل مجالات الحياة فإذا حدثه صديق عن مشروع تجاري يمكن أن يدر عليه ربحاً كانت عشرات السدود جاهزة من وجهة نظره أمام هذا المشروع، وكلماته تنطلق كالرصاص يا ريال من وين البيزات ومن وين يعطيك البنك قرضاً، وكيف تديره ومن وين نجيب الوقت لمتابعته، وغيرها من سدود اليأس التي يحلو لهذا الشبا وغيره أن يدشنوها في وجه كل فكرة جديدة· ولأن هذا الشاب يعشق اليأس فهو لا يسمعك أبداً ولا يكلف نفسه عناء النظر حوله ليتأمل تجارب الآخرين ويطالع قصص هؤلاء الذين جاءوا البلاد بتأشيرة عامل واليوم لديهم متاجر وسلاسل من كبريات محلات السوبرماركت، فقط خلال سنوات قليلة تغيرت حياة هؤلاء لالشيء الا لايمانهم بأن الحياة طموح وأن اليأس لا يستقيم مع الحياة فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة·
ولهذا الشاب وغيره ممن يجلسون في المقهى، ويجترون سوياً اسطوانات اليأس، وينشدون قصائد التبرم وسط سحب الدخان الأزرق التي تلف جلساتهم نذكرهم بأن السماء لا تمطر ذهباً ولافضة· فالذي يتأخر عن دوامه ويرى نفسه أكبر من الدوام وأكبر من المعاش عليه ألا ينتظر ترقية تطرق بابه أو منصباً يهبط عليه فجأة·
بل على هذا الشاب وغيره أن يسأل نفسه عن، هدفه من الحياة، وأن يسألها بشفافية ماذا قدم لها، وماذا قدم لوطنه ذلك الوطن الذي يفتح ذراعيه لكل باحث عن لقمة عيش شريف فيأتيه بائع الشاورما أو الفلافل أو عامل البلاستر أو مندوب المبيعات وغيرهم، وبعد سنتين تجده انتقل من فئة العامل الى فئة مستثمر، نعم فقد أصبح شريكاً في المطعم الذي كان يعمل فيه، أو الشركة التي دخلها على فيزا عامل، وفي مدينة العين هناك مطعم مشهور يعمل فيه نموذج من هؤلاء العمال وخلال سنوات قليلة يتخرجون من ذلك المطعم ويقف كل منهم على كيس مطعم جديد يديره في نفس الشارع· والأكثر من ذلك أن هذا الشاب المتبرم من الحياة يعرفهم بأسمائهم ويعرف قصصهم فهو زبون دائم في مطاعمهم، ومقاهيهم التي ينفث فيها يأسه الذي لا ينتهي، ويلعن ظلاماً سجن نفسه فيه، ولم يسأل نفسه مرة واحدة كيف أكون مثل هؤلاء، أو لماذا ينجح هؤلاء في الوقت الذي لازلت ألعن فيه الظلام·
ولهذا الشاب نقول انزع عن عينيك تلك النظارة السوداء، وانظر حولك، فالخير كثير وفرص التميز أكثر، وحاول مرة واحدة الا تقول عليه العوض·