لست تسونامي·· بهذه العبارة بدأ وزير العمل فصلاً جديداً في المشهد المسرحي الكبير لهذه الوزارة التي تتفوق على نفسها كل يوم لا في العمل بل في الكلام·
إذ لم يكد يجف حبر المقال الذي كتبناه أمس حول وزارة الكلام إلا وأتحفنا معاليه بمشاهد كوميدية جديدة في وقت جدبت فيه قرائح الممثلين العرب الذين لفظوا الكوميديا وأغرقوا أنفسهم في تراجيديا سوداء تحاكي الواقع العربي الذي نعيشه·ويبدو أن وزارة العمل سابقا وزارة الكلام حالياً أرادت أن تعيد البسمة للمشاهد المحلي الذي يعاني الأمرين في انجاز معاملته في أروقتها التي لم يقربها التطوير حتى الآن، ولم تجد وسيلة أفضل من اللجوء إلى سلم الكوميديا للترفيه عن المراجعين ولا بأس أن يمتد هذا الترفيه الى كل فئات سوق العمل من عمال وأصحاب أعمال وموظفين وربات بيوت وحتى تجار التأشيرات الذين تنتحر فرسان الوزارة على أسوار ممالكهم الحصينة·ولكن بعد أكثر من مشهد في هذه المسرحية التي تذكرنا بالكوميديا السوداء لطيب الذكر نجيب الريحاني وحظوظه العاثرة في الحياة وجدت العمل نفسها في مواجهة لا تحسد عليها فقد أصيب الجمهور بحالة تشبع من كثرة التصريحات وتكرارها، ومن هنا لم تجد العمل مفراً من اللجوء إلى النموذج رقم 6 في كتابة عناوين المسرحيات والأفلام السينمائية، وهو النموذج الذي يعرف بالعنوان الصاعق ومن أمثاله ذلك العنوان للفيلم المشهور الرجل الذي فقد ظله، وعنتر شايل سيفه، وذو القناع الحديدي، ورجب فوق صفيح ساخن وغيرها من العناوين التي تفتح أبواب وشبابيك المسرح والسينما على مصراعيها للجمهور·
وبدلاً من أن تجد وزارة الكلام حلاً سريعاً لقضية تجار التأشيرات والرخص التجارية، والتي هزت المجتمع وبشرت فيها العمل سابقاً بأنها لن تدع الأمر يفلت من يديها وقفت وزارة الكلام حالياً تزف التصريحات على طريقة شجيع السيمة الذي يلعب بالبيضة والحجر، وينفخ النار في الهواء، ويجري فوق لوح خشبي مملوء بمسامير مرفوعة رؤوسها إلى أعلى·و العمل سابقاً معذورة في ذلك فقد وجدت نفسها وجها لوجه أمام واقع لا يقل خطورة عن هذه الصورة المثيرة فهي معنية بتنظيم سوق العمل في الدولة، واصلاح خلل التركيبة السكانية، وتوطين القطاع الخاص، ورسم سياسة واضحة المعالم للنهوض بقطاع الشؤون الاجتماعية، وغيرها من هذه المحاور التي فشلت فيها وزارات العمل المتعاقبة·
وبعد دراستها لمرارة تجارب السابقين في العمل الأولى وجدت وزارة الكلام نفسها مضطرة للسير حافية على جمر النار بعد أن تخلى عنها هو امير الرخص والتأشيرات وأكتظت البلاد بصالونات الحلاقة ومحلات الخياطة والمغاسل والمصابغ ودكاكين كوتي التي يكفلونها، ووقفت الوزارة وقفة متأنية مع نفسها، وراجعت سجل منجزاتها من التصريحات والتصريحات المضادة، ووجدت بعد تحليل المضمون لهذه التصريحات أنها كانت متجهمة أكثر من اللازم وعابسة طوال الوقت، وأن صورتها باتت مرعبة لدرجة يخشى على الصغار منها، وأنها تطارد الجميع في منامهم·
ولذلك لم تجد العمل مفراً من التهدئة وبث رسائل نفسية مريحة للآخرين، وبالفعل لم يجد وزير العمل مفراً من القول: يا جماعة الخير أنا لست تسونامي صدقوني أنتم إخواني ولن يقع عليكم ضرر مني، يا أخواني بابي مفتوح ولكن لا أحد يطرقه، طوال اليوم أترياكم وما تييون، لم يكن باقيا الا أن يعلن الوزير أنه ليس شمشون، ولا نيرون، ولا جنكيز خان، ولا غيرهم·
يا جماعة وزير العمل يقول بأعلى صوته: أنا علي الكعبي·· أما تسونامي فعليه العوض ويا فرحة تجار التأشيرات!
abuawad@mail.com