الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مبارك يعلن الجمهوريـة الثانيـة في مصر

28 فبراير 2005
غسان مكحل :
هل بدأ الإصلاح فعلياً في مصر والشرق الأوسط عموما؟ وهل يمكن اعتبار إعلان الرئيس المصري حسني مبارك عن تعديل الدستور بحيث يصبح اختيار الرئيس المصري بالاقتراع السري المباشر، هو بداية ذلك الإصلاح؟
قبل أشهر قليلة زينت مجلة 'النيوزويك' الأميركية غلافها بموضوع رئيسي، يعتبر أن الإصلاح الحقيقي في المنطقة العربية، والشرق الأوسط عموما، يبدأ من مصر وليس في العراق أو أي مكان آخر في الشرق الأوسط· وهي فكرة معروفة على صعيد المنطقة منذ عقود لا بل منذ قرون، وذلك بسبب أهمية مصر ومركزيتها الثقافية والفكرية والسياسية على مستوى المنطقة ككل·
وعلى مدى الأشهر الماضية وجه الرئيس الأميركي جورج بوش الدعوة إلى مصر والسعودية لقيادة التحرك للإصلاح في المنطقة· ويتفق غالبية الباحثين والمراقبين أن التحركات في مصر والسعودية ودول المنطقة كلها، من أجل الإصلاح في الفترة الأخيرة، تأثرت كثيرا بالدعوات الأميركية للإصلاح في هذه الظروف البالغة الحساسية، على الصعيد الإقليمي·
إلا أن هذا لا يلغي حقيقة أن هناك دوافع ذاتية وداخلية في مصر تحديدا والمنطقة عموما من أجل الإصلاح الذي يفترض أن يقوم على أساس تحقيق المزيد من الديمقراطية والمشاركة واحترام التعددية والاختلاف والاهم من ذلك احترام حقوق المواطنية والمواطن· وتحويل الإفراد من رعايا إلى مواطنين كاملي الحقوق والواجبات·
لكن سواء أكانت دوافع الإصلاح الأساسية خارجية أم داخلية، فإن هذا لا يقلل من أهمية الإصلاح وتحديدا من أهمية ما أعلنه الرئيس مبارك، الذي يمكن القول إن اعلانه هو ولادة جديدة للجمهورية المصرية، أو بالاحرى ولادة الجمهورية الثانية، بعد الجمهورية الأولى التي أطلقها جمال عبد الناصر، وتواصلت في عهده وعهدي الرئيس انور السادات والرئيس مبارك·
وبرغم أن اختيار الرئيس المصري بالاقتراع المباشر لم يصبح مطلبا شعبيا، بل استمر مقتصرا على مجموعات قليلة من المثقفين والسياسيين المعارضين، خصوصا وان الأمور الأهم التي تشغل الشعب المصري هي تأمين فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية والقضاء على الفساد والبيروقراطية، إلا أن تحقيق هذا المطلب يكشف محاولة لتجنب توسع حركة المعارضة والتقائها مع تحركات وحركات تحمل أجندات مختلفة ومطالب أخرى·
الإصلاح من الخارج·
وكان الرئيس مبارك قد أظهر مراراً حساسية تجاه الضغوط الخارجية على مصر ودول المنطقة عموما، وهو ما عبر عنه مؤخرا عندما خاطب الرئيس السوري بشار الأسد بقوله إنه ينصحه بالاستجابة إلى قرار مجلس الأمن الدولي ،1559 لأن لا قبل له بتحمل الضغوط الدولية·
لكن بصرف النظر عن الظروف الحالية في المنطقة والحقائق الجديدة على المستويين الدولي والإقليمي، لا بد من التذكر أن التدخلات والمتغيرات الدولية لعبت دورا مهما للغاية منذ أوائل القرن التاسع عشر في المتغيرات على مستوى المنطقة وكل بلد فيها· ويفترض التذكر أن حركة الحداثة والتحديث في المنطقة العربية بدأت من مصر بحملة نابليون بونابرت، والتي كانت الحدث الذي فتح أعين المصريين وشعوب المنطقة عموما على التطورات الحضارية في الغرب· وفي ما بعد لعبت أربعة أحداث عالمية كبرى الدور الرئيسي في تغير المنطقة وتبدلها سياسيا واقتصاديا وثقافيا· هذه الأحداث هي الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وإقامة دولة إسرائيل·
ثم لا بد من الانتباه إلى أن حركات الإصلاح في العالم العربي، على مدى القرنين الماضيين، كانت في غالبيتها انعكاسات لتطورات وتدخلات أجنبية، أكثر مما كانت استجابة لتحركات شعبية داخلية· ولا بد هنا من الاعتراف بأن الشعب العربي الذي اثبت دائما كفاءة وقدرة عالية في التصدي للاحتلال والظلم الأجنبي، وكان يتنقل من ثورة إلى ثورة ضد الأجانب، لم يقم بأي ثورة شعبية فعلية من اجل التغيير والإصلاح الداخلي ومن اجل الديمقراطية· وكانت حركات التغيير كافة منذ منتصف القرن العشرين، تقوم على أساس الانقلابات والتحركات العسكرية، وتولد حكومات وأنظمة عسكرية متسلطة·
وبالتالي يمكن القول إنه ليس غريبا، أو حتى مسيئا، أن تحدث إصلاحات بفعل ضغوط خارجية أو متغيرات دولية·
الخطوة الاهم؟
ويمكن الاعتقاد بأن خطوة الرئيس مبارك بالطلب إلى مجلس الشعب تعديل الدستور ليصبح اختيار الرئيس بالاقتراع السري المباشر هو الخطوة الإصلاحية الأهم منذ سنوات طويلة، في المنطقة التي يحكمها منذ عقود زعماء غير منتخبين بأساليب ديمقراطية أو بالاقتراع الشعبي الشفاف·
والرئيس مبارك نفسه أمضى في الحكم منذ العام ،1981 ولا يواجه أي منافسة من أي سياسي آخر في الانتخابات الرئاسية الجديدة التي يتوقع أن تجرى في سبتمبر/أيلول المقبل·
وجاءت خطوة الرئيس مبارك المفاجئة بعد أيام قليلة من دعوة وجهها الرئيس الأميركي جورج بوش لمصر من أجل أن تقود عملية الإصلاح في المنطقة· ولم تظهر الإدارة الأميركية التي تقود لواء الإصلاح في الشرق الأوسط، أي رضى عن خطوات الإصلاح التي جرى اتخاذها ومؤتمرات الإصلاح التي عقدت في مصر على مدى العامين الماضيين·
وبالتالي فإن تلك الخطوة تهدف إلى تحقيق أهداف عديدة تتمثل في الاستجابة إلى دعوة الرئيس بوش في وقت تحرص فيه الحكومة المصرية على تحسين علاقاتها إلى أقصى المستويات مع أميركا في هذه الظروف الإقليمية والدولية الحساسة·
و محافظة مصر على موقعها الريادي في التغيير والإصلاح على مستوى المنطقة بعد أن فشل مؤتمر الإصلاح الذي عقد في الإسكندرية بحضور شخصيات من مختلف البلدان العربية، في تحقيق هذا· وسحب البساط من تحت أرجل المعارضة في مصر التي تخوض حملة منذ أشهر عدة للمطالبة بالإصلاح وعدم التجديد للرئيس مبارك، واختيار الرئيس المقبل بالاقتراع المباشر·
وغالب الاعتقاد أن مثل هذه التحركات برغم أنها لا تعبر عن توجهات شرائح واسعة من المجتمع المصري، إلا أنها يمكن أن تشكل بيئة جذابة للتعبير عن الامتعاض والاعتراض في ما يتعلق بأمور أخرى سياسية أو معيشية أو اجتماعية· وفي الظروف الحالية تبدو قدرة السلطات مقيدة أكثر من أي وقت مضى في التعامل معها· ويبدو واضحا أن الظروف الدولية والإقليمية تزيد من حرية المعارضة ومن حصانتها وقدرتها على التحرك فضلا عن الاعتقاد أن الرئيس مبارك والدوائر المحيطة به على ثقة بأن أي مرشح آخر لن يكون قادرا على مواجهة الرئيس مبارك في أي اقتراع مباشر على منصب الرئاسة·
ويعود هذا لأسباب عديدة أبرزها أن النظام السياسي في مصر لا يتيح الفرصة لظهور أحزاب أو سياسيين قادرين على منافسة الرئيس والحزب الحاكم، ناهيك عن سيطرة الحكم على وسائل الإعلام المهمة للغاية في تكوين الرأي العام في بلد مترامي الأطراف مثل مصر· كما أن النظام السياسي، كما في الغالبية العظمى من بلدان الشرق الأوسط لا يتيح الفرصة إلى صعود شخصيات بديلة أو رديفة حتى في الحزب الحاكم·
ومن السذاجة الاعتقاد أن شخصيات مثل الدكتورة نوال السعداوي والدكتور سعد الدين إبراهيم يمكن أن تشكل أي منافسة أو يمكن أن تحصل على أكثر من بضعة مئات أو آلاف من الأصوات في أفضل الأحوال في أي انتخابات مباشرة· وكان الأشخاص الذين أعلنوا عن عزمهم الترشح ضد مبارك قد أعلنوا أنهم ترشحوا لا للمنافسة بل لتثبيت قاعدة التعددية·
ومهما حصل فإنه من المستحيل أن تظهر في الأشهر القليلة المقبلة قبل الانتخابات أي شخصية قادرة على منافسة الرئيس المصري على الرئاسة·
ويظهر من ردود فعل المعارضين، المتوترة، تجاه خطوة مبارك عبر القول بأنها غير كافية أن المعارضة فقدت قضيتها في هذا الإعلان من جانب الرئيس خصوصا وانه استجاب لكل ما طلبته في تظاهراتها وتحركاتها في الأشهر الماضية·
الجمهورية الثانية··
خامسا، لا بد من الانتباه أن تكريس قاعدة الاقتراع المباشر لانتخاب الرئيس، يقوض إلى أقصى الحدود من دور المؤسسة العسكرية في اختيار الرؤساء المقبلين، ويفتح المجال أمام سياسيين ورجال أعمال بارزين للتنافس على الرئاسة، تحديدا في الانتخابات المستقبلية (أي بعد انتخابات أيلول)· وهذا ما يفتح المجال أمام شخصية مثل جمال مبارك للترشح والفوز بالاقتراع الشعبي المباشر·
وتجدر الإشارة إلى انه لا يحق لأي طرف الاحتجاج على ترشح شخصية مثل جمال مبارك للانتخابات الرئاسية، إذا كانت تلك الانتخابات تتم بالاقتراع السري المباشر، على خلاف ما كان يجري حتى الآن والتي تظهر فيه الانتخابات على أنها تعيين· وعلى سبيل المثال لم يعترض أي شخص في الولايات المتحدة الأميركية على ترشح جورج بوش الابن للرئاسة، برغم انه ابن رئيس سابق·
و يرضي اقتراح الرئيس مبارك القوى السياسية الدينية مثل الأخوان المسلمين والأقباط، إذ أن تلك الجماعات تعتبر أن لديها من الشعبية على الأرض ما يمكنها من التأثير في الانتخابات، ما يعطيها ثقلا رئيسيا محرومة منه منذ سنوات طويلة·
إلا أن ما أقدم عليه الرئيس المصري لا يعني بالضرورة أن الإدارة الأميركية ستتوقف عن حملاتها ضد حكمه لأن الهدف الأميركي ليس 'مبارك' تحديدا بل الدولة المصرية نفسها، والتي استمرت حتى بعد اتفاق الصلح مع إسرائيل، تمثل ثقلا أساسيا في غير صالح إسرائيل والنفوذ الأميركي على مستوى المنطقة·
كما أن المعارضة المصرية المتشجعة بالظروف الدولية والإقليمية، ستحاول في الأيام القليلة المقبلة، إيجاد مطالب تمكنها من الاستمرار في تحركاتها في الشارع، مستقوية بما تعتبره تنازلا من الحكم وبردود الفعل الأميركية المقبلة في ما يتعلق بالإصلاح، خصوصا وان واشنطن، كما يبدو عازمة على تشديد إشرافها ورقابتها على السلوك السياسي للحكم المصري، وذلك لأسباب إقليمية، تتعلق بخطط إعادة رسم المنطقة في ضوء المتغيرات الجديدة تحديداً في العراق·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©