الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وجوه وأقنعـة تصرخ في لوحات جهاد الصالح

28 فبراير 2005

دمشق عمّار أبو عابد :
فناننا يمزج المشاعر بومض العيون، والحزن بتعابير الفم والتفاؤل برونق الوجوه· فجهاد كامل الصالح لا يرسم إلا وجوهاً، ولا يروي لنا إلا قصص المعاناة والحزن والتفاؤل·
في معرضه الذي أقامه مؤخراً في دار الثقافة بدمشق، كانت الوجوه ترصد بعضها بعضاً· كل وجه له حكاية ترويها الألوان والخطوط· لكن كل الوجوه تتآلف في منظومة إنسانية واحدة، تعبر عن مأزق الإنسان·· عن قوته وضعفه·· انكساره وقوة احتماله، ومن خلال اللون والخط قارب جهاد قصة الإنسان المتكررة في الوجود·
يقول عنه الناقد الفني المعروف طارق الشريف إنه يقدم أشكاله عبر صياغة مباشرة في تضاعيفها التمرد على كل ما هو تقليدي ومألوف، فهو يريد أن يزيد من معرفتنا بالعالم المرئي حوله، فيخلق لنا عالماً جديداً خاصاً به· ويضيف إلى الواقع ما هو حديث· فيجمع بين الألوان الحارة والتشكيلات التي تألقت في العمل الفني عن طريق رؤية حدسية تعتمد على المصادفة التي نراها أكثر صدقاً من الرؤى المعروفة لدى الآخرين·
نرى الوجه عنده مرسوماً دون تنميق وأحياناً تغيب منه التفاصيل دون الاستغناء عن وجود (الفم والأنف والعين) فيحافظ بذلك على العناصر الرئيسة ليصل للشكل الأكثر تعبيرية، وهو تكوين الوجه كبنية دلالية يعالجها بعجينة دسمة تتداخل فيها الألوان الحارة والباردة فيعطي لكل وجه قيمته المستقلة عن غيره بعيداً عن المحاكاة التقليدية عبر صياغات مختلفة·
فينتقل من حالة تعبيرية لأخرى، ولا يستقر أبداً! سواء من حيث اللون أو الخط أو المعنى، فالمأساة مع الفرح والسعادة مع الحب والألم· وكأنه يريد أن يقول لنا أن الفنان يقدم الصيغة المثلى التي يتخطى فيها وجوده وحالته المعتادة·
؟ أنت لا ترسم إلا الوجوه، لكنك تتعمد إغفال التفاصيل في بعضها، فماذا يعني ذلك؟
؟؟ أنا مهتم برسم الإنسان، وحين أغفل بعض التفاصيل في الوجه، فأنا لا أتجاهلها، وإنما أرسم طبقاً لعلم الإنارة· لذا فالتعابير التي أرسمها هي انعكاس للضوء والظل في وجه الإنسان·
؟ هذا معرض للوجوه، لكن وجوهك تختلف· فبماذا تتميز عن بعضها؟
؟؟ أنا أقرأ لوحاتي بشكل جيد، وكل لوحة تختلف عن الأخرى بتعابيرها، فهناك وجوه تعبر عن الهلع، وأخرى عن الحزن وثالثة عن التفاؤل، وكل منها يمثل قصة معينة، حاولت أن أرويها من خلال مساحتي اللونية، وبابتكار تفاصيل تتصل بها·
؟أنت تستبعد الجسد الإنساني كلياً من لوحاتك، وتقصرها على الوجه، لماذا هذا الاستبعاد؟
؟؟ أنا أخص لوحاتي بالوجه، لأن الجسد متشابه بين الناس إلى حد ما، بينما الوجه أو الرأس هو المميز، والرأس هو ما يحمل العقل، وما يميز الإنسان، وما يجعله علامة فارقة لكل شخص· لذا فالقيمة الكبرى عندي للرأس الذي يدل على العقل·
؟ ما هي الرسالة التي تحملها وجوه معرضك؟
؟؟ ليس هناك رسالة (خفية)· إنما هو إعلان متجدد عن الإنسان في كل مكان وزمان· لأنني تجاوزت هذين العنصرين، فرسمت الوجوه المختلفة تاريخياً وجغرافياً، ولم أقف عند عرق إنساني معين· إن التعابير هي التي تروي قصة الإنسان ومعاناته·
ألواني شرقية
؟ و لماذا تعمدت أن تكون ألوان الوجوه مخالفة للألوان الطبيعية للون بشرة الإنسان؟
؟؟ ليست الخطوط وحدها التي تعبر عن تفاصيل الوجه الإنساني، بل الألوان تساعد في إظهار هذه التعابير· ولها أهمية كبرى في التعبير عن الفكرة التي أتطلع إليها· لذلك جاءت ألواني على هذه الصورة·
؟ وهل تعبر هذه الألوان عن الطبيعة بشكل ما؟
؟؟ الأمر يتعلق بمخزوني الثقافي والبيئي، فألواني شرقية، تمتاز بالحرارة· وتختلف عن الألوان الغربية الباهتة أوالساكنة نوعاً ما·
؟ لكننا نرى ألواناً وخطوطاً مختلفة في كل لوحة؟
؟؟ كل لوحة تحمل فكرة ما، وألواناً وخطوطاً خاصة بها· لتشارك جميعها في سرد قصة الوجه، لذلك لا ترى الألوان الموجودة في لوحة ما، كالألوان في اللوحة الأخرى·
؟ تعبر بالألوان بحرية، فماذا عن الخطوط، ألا تحصر رؤياك؟
؟؟ الخطوط لا تحاصر رؤيتي لأنني أعطيها الشكل الذي أريد· وبما يحقق التوازن المعماري للوحة!
؟ نقرأ في لوحاتك المأساة والفرح والسعادة والحب والألم، هل هي مجرد خواطر، أم صرخات تطلقها في وجود ساكن؟
؟؟ أنت تقرأ الصرخة وتسمعها في كل وجه من الوجوه، لأن لكل وجه قصة يحمل تعابيرها، ولوحاتي تصرخ بالحزن الموجود في الحياة، وتعبر عن التفاؤل الإنساني وسط الكآبة والخيبة·
؟ اللوحة بما هي عمل إبداعي، منتج فني يعبر عن شخصية الفنان، إلى أي حد تعبر أعمال المعرض عن شخصيتك؟
؟؟ لا أنكر صلتي وقرابتي لجميع الوجوه في المعرض، إذ أنني حاولت عبر لوحاتي أن أرسم وجوهاً لأشخاص قريبين مني، وأنا على صلة بما يعانونه· فعبرت عن ذلك بأسلوبي، فأكثرية اللوحات تحكي قصصاً عن أصدقائي، وقد رويتها بأسلوب ذاتي، أي كما أراهم وأفهمهم· ولهذا نجد أن كل لوحة تفسر بطريقة مختلفة عن الأخرى، لا سيما وأني لم أفسر (الغامض) بل تركته، ليعطي للمتلقي حرية اختيار التفسير الذي يراه·
لا أؤمن بالثورات
؟ وهل رسمت نفسك في هذه الوجوه؟
؟؟ ربما أكون من حيث المشاعر موجوداً فيها، لكني أيضاً رسمت نفسي في لوحة واحدة في هذا المعرض، وكانت قريبة من الواقع نوعاً ما!
؟ في الوقت الذي نجد قوة التعبير من خلال ملامح الوجوه تطالعنا بعض الوجوه المغطاة بأقنعة محايدة، فما هي دلالة ذلك؟
؟؟ إن دلالة ذلك تقول: إن وراء كل قناع حقيقة، وهي حقيقة الإنسان·
؟ أليست الأقنعة نوعاً من رفض الواقع والثورة عليه؟
؟؟ أنا لا أؤمن بالثورات، ولا أشعر بها في لوحاتي، بل أؤمن أن لكل إنسان حزناً وألماً، ويستطيع بإرادته التغلب عليهما، ما يمكنه الوصول إلى ما يجعله سعيداً إذا ما أراد، لأن الحياة تحوي الحزن والألم والفرح، والتي حاولت جمعها ككل في اللوحة الواحدة لتعبر عن رسالتي في وجود الحزن وغلبة التفاؤل·
؟ الطبيعة غائبة عن لوحاتك، فما هي علاقتك بها؟
؟؟ أنا لم أرسم الطبيعة، لأن الإنسان أعظم منها، فأنا أرسم الإنسان العظيم الذي يمكن أن يكون أقوى من الطبيعة، ولهذا فقد رسمت هذا الإنسان·
؟ و لكنك جعلته مقهوراً ومتألماً وحزيناً؟
؟؟ لا· أنا لم أرسم الإنسان المقهور، لأن هذا الكائن يستطيع التغلب على حزنه ليهرب منه إلى الأمل والتفاؤل·
؟ هل تقدم من خلال هذه المقولة فلسفة ما؟
؟؟ أنا لا أفعل· ولكل إنسان تفكيره، وطريقته الخاصة في الرسم ونظرته إلى الحياة!
؟ إذن· دعني أسألك: أي هذه الوجوه أقرب إلى داخلك؟
؟؟ أعتقد أنها لوحة الوجه الذي عشت معاناة صاحبه وأحسست بها عميقاً، وهي لوحة وجه صديقي، مما يجعلها قريبة للإنسان في داخلي·
؟ بعد إنجاز لوحة ما، هل تشعر بالارتياح إزاء الواقع، وهل تحس أنك تجاوزته؟
؟؟ لا أحب أن أتجاوز الواقع، فهو ثابت، ولن يتغير! حتى لو تجاوزناه!
المرأة ليست بديلاً
؟ إلى ماذا ترمز المرأة في لوحاتك؟ هل هي تعويض عن الطبيعة؟
؟؟ لا· المرأة ليست بديلا للطبيعة· فهي إنسان كالرجل تماماً ولها وجهها المعبر عنها·
؟ ولماذا تبدو إذن أقل حزناً وأكثر تعجباً من الوجوه الذكورية في أعمالك؟
؟؟ هي أقل حزناً لأن المرأة الشرقية تتصف بالرقة، وهي أكثر تحملاً وقوة من الرجل، وتواجه المصاعب بابتسامة رقيقة·
؟ في تجربتك الفنية إلى أي حد اختلف هذا المعرض عما سبقه من معارض؟
؟؟ تختلف لوحاتي من معرض إلى آخر طبعاً، لأن الإلهام الذي يراودني يختلف من وقت لآخر، ولأني أترك الريشة ليدي فلا أتدخل في الموضوع، وأتركه للإلهام!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©