الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القضاء يدين نواب سميحة ·· والبرلمان يحسم مصيرهم الخميس

20 فبراير 2005
القاهرة- 'الاتحاد': لو خلا أي مجتمع من الشر والفساد والرذيلة لفقد رجال القضاء والشرطة والمحامون وظائفهم·· ولأغلقت الصحف أبوابها وصفحاتها وانضم الصحفيون وغيرهم الى طابور العاطلين·· والشيء يُعرف بنقيضه كما يقولون·· أو يقولون على وجه الدقة·· تعرف الامور بأضدادها·· فلا يمكن أن نعرف الخير إلا اذا كان هناك شر ولا نعرف العلم إلا بوجود الجهل ولا نعرف النور إلا بالظلام· والمصلحون والنبلاء وأهل العدل والضبط والربط لا يكافحون لشطب الشر من العالم نهائيا فهذا كفاح من أجل مستحيل·· لكنهم يكافحون لضبط الشر وحصاره والتصدي له·· والمعركة لن تنتهي إلا بزوال الدنيا·· وليفعل الشر والفساد ما يحلو لهما طالما ان هناك قضاء عادلا وشرطة نزيهة حاسمة وإعلاما مخلصا بلا غرض·
وكان الله في عون القضاء العادل والشرطة الحاسمة والإعلام النزيه·· فقد اختلطت الأوراق اختلاطا مخيفا في الدنيا كلها ولم يعد أحد يعرف على وجه الدقة المفسد من المصلح والخير من الشرير·· دخل أحد الصحفيين مرة مكتب مدير المباحث الجنائية في منطقة ما وحياه قائلا: صباح الخير·· فرد رجل الشرطة على الفور: نعم يا سيدي عايز إيه؟ فقال له: انني احييك ولم ترد التحية·· انا فلان وأريد ان اعرف منك بعض المعلومات·· فلماذا أنت ثائر هكذا؟·· وهدأ مدير المباحث وقال مبتسما: لست ثائرا·· أرجو ان تعذرني فقد احترنا واحتار دليلنا·· يدخل علي الرجل أنيقا شامخا ويخيل اليّ انه من علية القوم·· وبعد قليل اكتشف انه نصاب او لص أو منحرف··
ويصدق قول مدير المباحث الجنائية المهموم على نواب البرلمان الثلاثة الذين امتلأت الآفاق بفضيحتهم·· واستحدثوا عنوانا جديدا لمجموعات النواب السابقين·· فهناك كما عرف الجميع نواب القروض ونواب التأشيرات ونواب المخدرات ونواب التجنيد والنواب مزدوجو الجنسية·· اما النواب الثلاثة الممثلون لعدة دوائر في محافظة الغربية فقد شكلوا مجموعة جديدة وحملوا عنوانا مبتكرا هو 'نواب سميحة'·
والنواب الثلاثة احدهم نائب سابق فقد عضويته من قبل بسبب تهربه من التجنيد وهو محمد احمد البسطويسي·· والآخران نائبان حاليان وهما حمادة سعد وعبدالفتاح أمين عبدالكريم· وأما سميحة التي يحمل النواب اسمها فهي موظفة مجلس مدينة بالغربية وانتدبت مؤخرا للعمل بالاسكندرية·
وبعد ان عرفنا ابطال القصة بقي ان نعرف القصة نفسها·· والتي دارت مشاهدها الرئيسية في قاعة محكمة جنايات القاهرة دائرة شمال برئاسة المستشار عبدالمحسن صبحي يوم الثلاثين من ديسمبر الماضي·· فقد دخل النواب الثلاثة ومعهم نائبان آخران قاعة المحكمة كمجني عليهم وخرجوا منها جناة، ودخل علاء علي شبل وعامر سليمان عواد الصحفيان بجريدة 'الاحرار' المعارضة قاعة المحكمة متهمين بالسب والقذف وخرجا بريئين فخورين بموضوعهما الصحفي المثير الذي قالت المحكمة ان كل حرف فيه جاء مطابقا للحقيقة·
والسؤال الملح الذي ربما يدور في رؤوس 'نواب سميحة' الان: لماذا أقمنا دعوى سب وقذف؟ لو اننا 'كفينا على الخبر ماجور' كما يقول المثل الشعبي·· ربما كان الامر قد مر بهدوء ولم تقع الفضيحة ذات الجلاجل والتي يزيد من خطورتها ان 'نواب سميحة' يمثلون دوائر في محافظة ريفية هي الغربية·· ويتسم أهلها بكل تأكيد بأنهم محافظون ومتمسكون بالقيم والتقاليد ولا يرضيهم الحال المائل·· كما ان 'نواب سميحة' ينتمون الى الحزب الوطني الحاكم وربما ظنوا ان هذا الانتماء يعطيهم حصانة فوق حصانتهم البرلمانية·· لكن القضاء كما عود الجميع لا تأخذه في الحق والعدل لومة لائم·· ولا يعترف بالخطوط الحمراء في سبيل إقرار العدل·
بدأت القصة عندما حضر النواب الثلاثة من الغربية الى القاهرة وأقاموا في شقة زميلهم النائب عبدالمحسن محمد داود بالمهندسين وكان معهم زميلهم النائب الآخر عبدالسميع حسن محمد الشامي·· وكان صاحب الشقة عبدالمحسن قد شعر ببعض الآلام ودخل مستشفى 'المقاولون العرب' لإجراء جراحة·· وخلت الشقة للنواب الثلاثة بعد ان كان النائب الاخر عبدالسميع برفقة عبدالمحسن في المستشفى ويتردد على الشقة مرة ويسافر الى مقر دائرته بالغربية مرارا·
ووجد النواب الثلاثة الفرصة سانحة للفعل المشين فاتصل احدهم بالموظفة 'سميحة' عبر الهاتف المحمول واتفق معها على الحضور الى الشقة ثم وقع المحظور·· وساهمت المعارك الانتخابية التي اقتربت والحيل الكيدية في افتضاح الامر وتم تسجيل شريط فيديو روت فيه 'سميحة' الواقعة وارسل الشريط كما ورد في صحيفة 'الاحرار' الى الدكتور فتحي سرور رئيس البرلمان كما تم ابلاغ الدكتورة امال عثمان وكيلة البرلمان بما جرى·
وقيل ان القصة انتشرت في كافة أرجاء محافظة الغربية قبل أن تُنشر على صفحات 'الاحرار' ويبدو أن النائبين الحاليين والنائب السابق ادركوا ان الخطر قد احاط بهم من كل جانب فرأوا أن الهجوم خير وسيلة للدفاع فأقاموا دعوى سب وقذف ضد محرري صحيفة 'الأحرار'·· واثناء نظر الدعوى اختلف المدعون فظهرت الجريمة·· وتضاربت الاقوال حتى أن النائب عبدالسميع الشامي وزميله صاحب الشقة عبدالمحسن داود انسحبا من دعوى السب والقذف·· بعد ان ثبت لديهما يقينا أن النواب الثلاثة مارسوا الرذيلة مع سميحة·
وقالت محكمة جنايات القاهرة كلمتها وقولها الفصل: حكمت المحكمة حضوريا ببراءة المتهمين الصحفيين علاء شبل وعامر عواد من تهمة السب والقذف والزام المدّعين بالحق المدني والجنائي بمصاريف الدعوى واتعاب المحاماه·
واذا كان الحكم قد تضمن البراءة فإنه ايضا تضمن الادانة الصريحة لنواب سميحة بارتكاب الرذيلة مع ساقطة··
وهاجت الدنيا وماجت وطلب رئيس البرلمان الدكتور فتحي سرور من وزارة العدل سرعة موافاته بنص حكم محكمة جنايات القاهرة·· وتلقى سرور الحكم الذي جاء في اسبابه وحيثياته بالنص ان النائبين الحاليين في البرلمان بصرف النظر عن النائب السابق قد فقدا الثقة والاعتبار لارتكابهما افعالا تسيئ الى البرلمان·
وعندما وصل الأمر الى رئيس البرلمان تدخلت الصحف القومية التي تجاهلت الواقعة قبل ذلك·· ونشرت اخبار الحكم وارسال صورة منه الى الدكتور سرور واجتماع اللجنة التشريعية في البرلمان للنظر في الواقعة·
ولم يترك الكاتب الساخر احمد رجب الواقعة تمر دون تعليق في زاويته اليومية بصحيفة 'الأخبار' حيث قال: عرفنا نواب المخدرات ونواب القروض ونواب الصياعة ونواب قرعة الحج·· الخ·· وقد ظهرت اخر طبعة من النواب هي: 'نواب سميحة'
وعلى وجه السرعة انعقدت اللجنة التشريعية بالبرلمان بتكليف من الدكتور سرور لاستعراض حيثيات حكم الجنايات ضد النائبين الحاليين وقررت عقد اجتماع آخر لحسم القضية يوم الخميس المقبل بعد الاستماع لأقوال النائبين·· ثم اتخاذ القرار المناسب والذي يتجه في الغالب الى اسقاط عضويتهما ما لم تنجح محاولات الحزب الوطني الديمقراطي الذي ينتميان اليه في اقناعهما بالاستقالة من البرلمان·
وحتى اذا نجا النائبان تحت اي ظرف أو مبرر من اسقاط العضوية فإن امامهما على المقعدين عدة اشهر وبعد ذلك يحتكمان الى الناخبين الفلاحين الذين لن يمنحوهما ثقتهم بعد هذه الفضيحة·· كما ان الحزب الوطني لن يرشحهما باسمه في أي انتخابات قادمة برلمانية أو غير برلمانية·· وهكذا فإن 'سميحة' قد اصابت بسقوطها نائبين كانت لهما شنة ورنة كما يقولون في دوائرهما·· فكما يكون صعود الفساد سريعا يكون سقوطه مدويا وذريعا·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©