الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أهداف سويف: صورتنا مشوهة في الداخل فلا تنشغلوا بالخارج

19 فبراير 2005
القاهرة ــ حلمي النمنم:
تعيش الروائية المصرية أهداف سويف في لندن منذ سنوات بعيدة وتكتب بالإنجليزية ولكنها تختلف عن غيرها من الكتاب العرب والمصريين الذين يكتبون بغير العربية فهناك أندريه شديد وألبير قصيري وروبير موليه وهؤلاء مثلها ولدوا في مصر وتعلموا العربية لكنهم جميعا ينتمون فيما يكتبون كما يقول الكاتب محمد سلماوي الذي أدار ندوة أهداف بمعرض القاهرة للكتاب الى اللغة والثقافة والذوق والقيم الفرنسية أما أهداف فهي في كل ما تكتب تنتمي الى العالم العربي وقضاياه ويشعر القارىء على الفور أنها كاتبة مصرية في أسلوبها وتفكيرها وقيمها ولعل هذا ما دفعها الى ان تزور بيت لحم وفلسطين المحتلة عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وقد تلقت عدة دعوات لزيارة فلسطين واتفقت مع صحيفة 'الجارديان' البريطانية على ان تكتب عن رحلتها·
وقالت أهداف سويف: كنت قد انتهيت من روايتي 'خارطة الحب' وكانت الأحداث قد اشتعلت في فلسطين المحتلة وكنت أتابع قناة 'سي ان ان' وبعض القنوات الأميركية والعربية وكان الفارق كبيرا بين القنوات الأميركية والعربية لأن الأولى تقدم الفلسطينيين على أنهم مجموعة من الإرهابيين يعتدون على المدنيين الإسرائيليين ويريدون تدمير إسرائيل بينما العربية تعرض المجازر الوحشية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين ومنشآتهم ومدنهم وتهدم بيوتهم وتجرف أراضيهم فقبلت الدعوة لزيارة فلسطين وكان هدفي ان أرى الأمور على ارض الواقع وربما وجدت هناك ما يغريني بكتابة رواية وفي الزيارة لمست صعوبة الحياة والتقيت بالفلسطينيين وشاهدت الحياة القاسية التي يعيشونها وعشت معاناتهم ورغم أنني احمل جواز سفر إنجليزيا وسافرت ممثلة لصحيفة 'الجارديان' فان الإسرائيليين وضعوا أمامي العقبات والمصاعب حتى لا أتمكن من الانتقال بحرية وارى الأمور كما هي فقد كانوا يدركون أنني عربية ونشرت المقالات في 'الجارديان' وكانت تقدم خطابا جديدا ورؤية مغايرة تكشف عن ان الفلسطينيين مظلومون وليسوا إرهابيين·
في مواجهة المدافع
وفي لندن من يعرف ذلك ويدركه لكنهم لا يحبون ان تحدثهم عن تفاصيل هذا الظلم وأشكاله، لذا وجدت معاناة في النشر فقد طلبت مني الصحيفة ان اجري حوارات مع الكُتاب الفلسطينيين وأجريتها بالفعل· وكان هؤلاء الكتاب يتحدثون بصراحة ويقدمون وجهة نظر متكاملة وظلت هذه الحوارات مؤجلة لدى الصحيفة خمسة شهور كاملة وهو ما لم يحدث معي من قبل ثم ابلغوني بأن المساحة المقررة لي هي 2300 كلمة فقط وكان معنى هذا ان اختصر كثيرا ولم أمانع وطلبت ان اطلع على موضوعي بعد الاختصار فوجدت ان الذي اختصر هو كل ما يثبت الظلم على الفلسطينيين فطلبت ان أنفذ أنا الاختصار ووافقوا لكن نُشر المقال في صفحة جانبية بدلا من ان ينشر في صفحة رئيسية والمهم انه نشر وان لدينا نافذة لنقدم لهم الصورة الحقيقية، وحين جمعت المقالات في كتاب 'في مواجهة المدافع' قدمت له صحيفة 'الجارديان' عرضا واحدا فقط وهذا غير معتاد بالنسبة لكتبي ومن ناحيتي أتفهم أنهم لا يرحبون بوجهة النظر التي أقدمها ولكني سعيدة بأن لدينا فرصة لتقديم وجهة النظر العربية·
وتضيف د· أهداف: مضت أربع سنوات على رحلتي الى فلسطين وعدت إليها ثانية وقد فتحت هذه الرحلة اهتماما بمناطق جديدة فلم أتمكن من كتابة رواية جديدة لأنني صرت منشغلة بالكتابة في الصحف، مقال هنا او رد على مقال نشر، ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر ليبدأ الهجوم على المسلمين وكان علي ان أتولى الرد على هذا كله وقد اخذ ذلك جهدي واهتماماتي·وقالت إن الجيل الثاني من العرب المقيمين في بريطانيا وأوروبا عددهم كبير ويحتاجون لمن يقدم لهم وجهة النظر عن المسلمين وقضايا فلسطين والعراق لمواجهة الموجة الغربية السائدة·
وأضافت: حين كتبت روايتي الأولى 'في عين الشمس' لم أكن روائية بعد ولذا لم يكن في ذهني الترجمة الى العربية ثم انتبهت الى ضرورة ان أكون موجودة بالعربية· وحين ترجمت رواية 'خارطة الحب' الى العربية كانت المترجمة هي د· فاطمة موسى ولحسن حظي أنها أمي فكنت أراجع معها بعض الألفاظ وتخيرني بين بعض الكلمات ربما كانت هذه أفضل او الأكثر تعبيرا عما اقصده وما أردت قوله وكل الحوارات التي بالعامية في الرواية هي كما كتبتها في الإنجليزية والحقيقة ان اللغة تعبر عن الروح والثقافة السائدة في المجتمع وليس استبدال مفردة من لغة أخرى ولذا يمكن لبعض الكلمات بالإنجليزية حين تترجم الى العربية ان تعطي مدلولا آخر·
وقال محمد سلماوي: كنا نردد لسنوات طويلة أننا بحاجة لمن يكتبون عنا باللغة الإنجليزية ويقدمون قضايانا ومواقفنا للجمهور الأوروبي والأميركي وحين ظهرت كاتبة عربية تفعل ذلك بنجاح واقتدار يقال: لماذا لا تكتب بالعربية؟
وقالت أهداف: هناك فارق كبير بين استعمال اللغة في الكلام العادي بين الناس واستعمالها في الكتابة كما ان نوعية الكتابة تختلف في استعمال اللغة، وكتابة التقرير ليست مثل المقال وليست مثل كتابة النقد وكتابة الأدب، والكتابة الأدبية تقتضي درجة من المعرفة والتمرس في اللغة ليست لدي في العربية ولحسن حظي ان والدي هو د·مصطفى سويف ووالدتي هي د· فاطمة موسى وقد ضمن ذلك لي ان أجيد العربية ولكن حين درست الإنجليزية كنت أعد أبحاثي ودراساتي بها وهكذا تمرست في الكتابة بالإنجليزية، وقد فكرت في ان اكتب بالعربية ولكن لم أجد لدي القدرة الحقيقية على ذلك·
ونفت تماما ما قيل عن رفضها لترجمة روايتها الأولى 'في عين الشمس' الى العربية بل أنها تتمنى ان تترجم لكنها تريد ان تتابع الترجمة لاختيار المفردات التي تعبر تماما عما تريده· وقالت ان أحداث الرواية تدور في أوائل القرن العشرين وقد فرض ذلك عليها ان تعود الى صحف تلك الفترة في مصر وتتابع الأخبار والإعلانات والوفيات حتى تقدم صورة حية للمجتمع آنذاك·
وكانت هذه الرواية قد رشحت لجائزة البوكرز وهي أرفع جائزة إنجليزية في الرواية ووصلت الى التصفية النهائية حيث كانت بين الروايات العشر المرشحة للفوز ولم تقطع هي بأن الرواية لم تفز بسبب موضوعها او أنها عن مصر لكن سلماوي يؤكد قائلا: 'من يقرأ الرواية يعرف لماذا لم تفز بالجائزة، فهي رواية مصرية تعبر عن وجهة نظر عربية في بعض الأحداث وهي تضع المجتمع الإنجليزي موضع اتهام إذ أنها تتحدث عن بدايات الاحتلال البريطاني لمصر وتذكر ما قام به الإنجليز المحتلين في مصر، ومن ثم فإن فوز الرواية كان يعني منح تلك الاتهامات مشروعية وجعلها جزء من الثقافة الإنجليزية والأوروبية وهو أمر لا يحبونه وهذا يثبت ان اللغة ليست المعيار في الحكم على العمل الأدبي بل هي وسيلة يعبر بها الكاتب عما يريده·
اختلاف اللغة
وحول مدى تأثير الكتابات بالإنجليزية عن القضايا العربية في الرأي العام الإنجليزي قالت: أثناء الحرب العالمية الثانية وبعد ان ضرب الطيران الياباني الأسطول الاميركي في بيرل هاربر جمعت الولايات المتحدة المواطنين الأميركيين من أصول يابانية تحت اعتقاد خاطىء بأن هؤلاء يمكن ان يكونوا ضد أميركا ومتعاطفين مع اليابان أو يرتكبون عملا مضادا لأميركا· وبعد 11 سبتمبر 2001 ظهر رأي يجيز وضع المسلمين في المعتقلات، وطرح الأمر في استطلاع للرأي العام فوجد ان 46 في بالمئة يوافقون على ذلك، لكن البقية رفضوا، ولا يجب ان ننسى انه كانت هناك أصوات قوية رافضة للحرب على العراق وفي لندن وحدها اندلعت مظاهرة ضد الحرب على العراق، كان بها مليونا مواطن وهذا رقم ضخم ولابد من مخاطبة هؤلاء، وتوضيح الحقائق هناك مهم للرأي العام، لأن هناك من يريد ان يستمع الى صوت آخر وفهم مغاير·
وعندما سئلت الروائية أهداف سويف عن السبل الكفيلة بتحسين صورة العرب والمسلمين في الخارج قالت أنها ترفض الحديث في هذه الجزئية المغلوطة والمقلوبة·· وأكدت أنها مندهشة للاهتمام بهذه القضية الهامشية·· فلماذا لا يهتم الغرب أو العالم الخارجي كله بتحسين صورته لدينا بينما نغني نحن ليل نهار أغنية تحسين صورتنا لدى العالم؟
وقالت ان الأهم من ذلك كله هو ان نصلح أحوالنا في الداخل ونقوي أنفسنا اقتصاديا وثقافيا وساعتها سوف يلتفتون إلينا ويهتمون بأن يعرفونا جيدا·· وعلينا ان ننشغل بأنفسنا لا بالآخرين·· فألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية انشغلت ببناء نفسها ولم تبدد وقتها وجهدها في إزالة الصورة النازية التي تكونت عنها لدى العالم وكذلك فعلت الصين وغيرها·· ونحن العرب لدينا إمكانات تجعلنا في وضع أفضل اذا أحسنا توظيفها واستثمارها
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©