الشارع الإماراتي مليء بالعصابيين ومرضى الوسواس القهري، فعلى الرغم من التشدد والتشديد في التزام النظام، وعلى الرغم من الشوارع الفسيحة، الممتدة بامتداد البصر بلا تعرجات أو التواءات أو مطبات، إلا أن بعض السائقين يخوض معركة المصير، ويجر عربته السريعة جراً باتجاه النهايات القصوى من أجل الوصول في زمن قياسي إلى ما تريد وتهواه نفسه· وعلى الرغم من أن أكبر مدينة في بلادنا يمكن للسائق أن يقطع عرضها وطولها خلال نصف ساعة من الزمن، إلا أن النفوس لا ترضى بالزمن ولا تعترف بالمكان فتسير بكل احتمالات المغامرة والمجاهرة بالتصدي للأنظمة والقوانين وتمارس البطش ضد الشارع، ومن يستخدمونه ومن يسيرون على أسفلته في أمان الله وطمأنينة النفس حتى أصبح الشارع مرتعاً للخوف والرعب وارتجاف الأطراف، وارتعاش الصدر، فأن تخرج من بيتك لا تأمن العودة بسلام، لأن هناك في الشارع من يتربص بك ويترصد خطواتك، ويلاحقك بسرعته الجنونية ولا مبالاته، متباهياً بهذه المركبة أو تلك، من ذات الأشكال المرعبة، فتشعر بأنك أمام خيارين: فإما أن تؤجل مطالب الحياة وتنكفئ في بيتك ، أو تجازف وتخرج للمبارزة غير المحسوبة، وإن عدت سليماً معافى فلا بد أن تفكر في يوم الغد وكيف ستدبر أمرك ومتى؟ أتصور أن كل الأنظمة الحديثة التي تطبقها أجهزة المرور لم تجدِ، ولم تأتِ بنتيجة، لذلك أقترح اقتراحاً، لعل وعسى يأتي بنتيجة إيجابية ترحمنا وترحم الناس من الأهوال والكوارث، الاقتراح هو أن يخضع جميع من يتقدم لاستخراج رخصة قيادة لاختبارات نفسية وعصبية تحت إشراف متخصصين في هذا الشأن، ويجب ألا يفوز برخصة القيادة إلا من يتجاوز الاختبارات النفسية بنجاح، لأنه لا أحد اليوم من السائقين يفتقد القدرة العملية في القيادة، وأجزم بأن أغلبهم يتمتع بقدرات هائلة في ممارسة القيادة، ولكن كل هذا لا يشفع لسائق يعاني من التشنجات وانهيارات عصبية، يقود سيارته وكأنه يمتطي ظهرها، يسومه سوء العذاب، ويدهس على مكابحه باحمرار الخدين، وارتعاش اليدين، وتوتر المنكبين· السائقون اليوم يمارسون رياضة القيادة على حساب الشارع وعلى حساب الناس الآخرين، وإن صادفهم عبد من عباد الله يسير بهدوء وطمأنينة فإنهم ينهرونه ويوبخونه ويطلبون منه فسح الطريق بأقصى سرعة، وإلا لاقى من الشتائم والسباب ، وقد يهرسونه في الطريق، ولا من رأى ولا من درى، المهم أن السائق العصبي نفذ مهمته بنجاح، وطاف القارات بتفوق وتميز على الآخرين· أمام هذا العصف البشري لابد من الانتباه إلى الحالة النفسية ولابد من الأخذ في الاعتبار أن النجاح في تجاوز الأنظمة المرورية العادية ليس مقياساً لينال بعدها أي سائق رخصة القيادة·· لابد من دراسة النفس البشرية، ولابد من إخضاعها للفحص والدرس، والتمحيص لتخليص الناس من الويلات والمصائب ولكفكفة دموع الأرامل والثكلى والأيتام·· والحفاظ على أرواح البشر·