''في الجبل الخلفي سنهجر العجوز لكن من الخلف سوف يعود سلطعون زاحفاً وعندما عاد زاحفاً لم ندعه يجتاز العتبة فالسلطعون ليس طائراً يبكي مع مجيء الليل'' هذه إحدى الأغاني التي يرددها الناس في رواية ''ناراياما'' الرائعة، ومن أجمل إبداعات الروائي الياباني ''شيتشيرو فوكزاوا'' و''ناراياما'' يعني جبل السنديان الياباني، هذه الرواية جعلت ''فوكازاوا'' يحصل على جائزة الإنسان الجديد التي قدمتها مجلة ''تشووكورون''، هذا الكاتب الفذ هو أحد الذين صنعوا مجدهم بأيديهم والذين قدموا مثالاً صارخاً بأن الابداع يأتي من موهبة داخلية في الفرد يزرعها الخالق في البعض، حيث لا تقاس الأمور بالشهادات والدرجات العلمية ولا حتى رخصة ما يسمى دكتوراة، لقد ولد ''فوركازاوا'' في ''إيزاواماشي'' وهي منطقة جبلية في اليابان، ولم يدرس أكثر من المرحلة الإعدادية، ولكن حبه للأدب وقراءاته الكثيرة في المجال الأدبي والثقافي جعلت منه أشهر روائي ياباني، وعلى الخصوص روايته ''ناراياما''، ويقول هذا الروائي إن معلميه الحقيقيين هم الفلاحون الذين تربى معهم وفي رعايتهم، كذلك الجبل الذي ولد فيه وقريته وأرضه، كذلك الموسيقى التي أحبها وعشقها، لذلك جاءت هذه الرواية على شكل أغانٍ وحكايات خاصة بالحياة الجبلية، بل إنه وضع مقاطع من الموسيقى تحكي حياة الجبل وحياة الناس· ولنتأمل هذا المقطع الرائع في وصف الطبيعة وحلول فصل الشتاء: ''أيها الأب الصغير اخرج لترى الأشجار اليابسة وهي ''تتنفس'' حان وقت الذهاب فضع اللوح على ظهرك''· ولاختصار الحديث عن هذه الرواية - لضيق المساحة - فإنني سوف أشبهها برحلة حج خاصة مليئة، بالمواقف الصعبة الممزوجة بالألم والحب والوفاء، وعلى الخصوص نحو الأم، تقول الحكاية بأن الفرد أو الأمهات عندما يكبرن فإنهن يكن أكثر اشتياقاً ورغبة إلى ''رحلة حج'' يختمن بها حياتهن الطويلة، ولذلك فإن الذاهبات إلى الحج في جبل ''ناراياما'' أو جبل السنديان، لابد أن مر عليهن من العمر عتيا وأن يكون قد فقدنا أسنانهن وأصبحن فعلاً عجائز ينتظرن الرحمة والمغفرة من الخالق، وأن هذا الجبل الذي يمتد علواً في السماء هو أقرب نقطة للدعاء وطلب الرحمة والجنة، لذلك على الأبناء أن يحملوا أمهاتهم في صندوق خشبي على ظهورهم ويصعدوا بهن إلى ذلك الجبل· وفي فصل الشتاء القارص عندما يبدأ تساقط الثلوج، تكون الأم التي تستطيع أن تصل إلى القمة هي واحدة من المحظوظات اللاتي يرحمهن الرب· والرواية العظيمة تسرد الكثير من المواقف والمشاهد الفظيعة خاصة عندما يعجز حامل الصندوق عن الوصول إلى القمة وتسقط العجائز وتموت هناك فتأتي الغربان لتنهشها عندما تذوب الثلوج، وحدها التي تصل إلى القمة تكون قد حققت حجها العظيم، والمشهد الإنساني الرائع هو أن يحمل الإنسان أمه إلى غاياتها، وهذا المشهد العظيم نراه نحن عند الأوفياء والمخلصين من الأبناء والذين رضى الله عنهم وهم يطوفون بأمهاتهم أو آبائهم في الحج، إنها تداخلات إنسانية رائعة تجسد كم هو رائع هذا الروائي ''شيتشيرو فوكازاوا''· ibrahim_mubarak@hotmail.com