يا أبيض·· سيلومك المنظرون، والمفسرون، والمؤدلجون، والمؤولون، ولكنك أبيض من شوائب الرأس حتى أخمص القدم·· لعبت وأذهلت وأدهشت وأفزعت وروعت فتعادلت·· فكان فنك رائعاً فحاورت وناورت، وحققت المبتغى في الفن، فلا يهم ما جاء بعد الصدق في الأداء، فالحقيقة أنك كائن صحراوي فذ، وعلى الرغم من زبد بعض المتقوّلين ورهو المقاولين، إلا أنك أجهضت التأويلات لعباً وفناً، وأسرجت خيل المستديرة باتجاه المصائد والمكائد، وأعلنت للجميع أنك قادر على تحقيق النجاح فيما لو صدقت نوايا الآخرين، وأثبت أنك جدير بالاحترام والتقدير، فيما لو تخلص البعض من عقد النقص، وتراكمات ''لا نستطيع، لا نقدر، ولا يمكن''·· الذي شاهد مباراة منتخبنا مع المنتخب الإيراني تأكد له شيء واحد، أن هؤلاء الشباب السمر، قادرون على تحقيق نتائج مذهلة، وهائلة لو استطاع الاداريون والفنيون التخلص من عقد الماضي، وتسلحوا بمعرفة الحقيقة·· وهي أن التعامل مع الإنسان يبدأ من لمس مشاعره، والتعاطي مع احساسه ككائن يحتاج إلى فتح النوافذ وجعلها مشرعة، ولا يمكن للتوبيخ والتقريع أن يأتيا بنتيجة، فالأمل في هؤلاء الشباب يبدأ من احترام مشاعرهم والأخذ بأيديهم والكشف عن حقيقة هي أن المشكلة ليست في اللاعب وإنما تكمن في لغة التواصل معه ووضع القواسم المشتركة من أجل تحقيق نتيجة يشترك في إنجازها الجميع·· ما حققه الصغار ليس لأنهم أكثر إبداعاً من الكبار، إنما هو نتيجة الأرضية السليمة، واللغة القويمة التي تخاطبوا بها مع مدرب عرف احتياجاتهم ومكامن نقصهم· اليوم المطلوب إعادة النظر ليس في اللاعب، وإنما فيمن يتعامل مع هذا اللاعب·· الإنسان بطبعه عاطفي، ومعالجة العاطفة بأسلوب علمي ومتقن غاية وهدف، وشريعة المتعاملين مع البشر·· شبابنا بحاجة إلى مدرب وفني وإداري، يفهم في علم النفس، ويعي دور العاطفة في تهذيب السلوك الرياضي، وترتيب معطياته·· شبابنا بحاجة إلى من يخلصهم من كثير من التراكمات ومركبات علقت بأذهانهم، وصارت جزءاً من شخصياتهم· شبابنا بحاجة إلى احترام قدراتهم الفنية العالية، وتسخيرها في خدمة الفن الرياضي، وألا تعلوا أصوات المنظرين عند كل كبوة لتصبح أعلى من صوت الحقيقة· نقول إن لدينا شبابا بقدرات فائقة ولا يجب الانكسار والاندحار عند كل عقبة ورفع عصا التهديد والوعيد، وتبديد الانجاز لمجرد خسارة مباراة أو اثنتين·· فرق عالمية، ذات شأن وفن، تخسر لكنها لا تفقد الأمل طالما أن الإمكانيات متوفرة والفنيات عالية، والمواهب قادرة على التعويض، ما نريده فقط الكف عن التهريج، والضجيج عند كل خسارة، والابتعاد عن كلمة ''لو·· ويا ليت، ولماذا وكيف''·· هؤلاء الشباب ثروة وطاقة، ومقدّرات لا يجب هدرها، في ''سوالف'' داخل الغرف المكيفة، فهؤلاء الشباب يعرقون ويكدون ويبذلون الجهد، ويحزنون عند كل خسارة أكثر من أي فرد يجلس متربعاً داخل الصالونات الملونة·· نريد فقط كبح جماح هذه التنظيرات، وفهم حاجة شبابنا إلى من يقترب من نفسياتهم التي أتعبها القيل والقال وسوء المقال··