السكان عنصر أساسي لأي دولة، في علم السياسة كما في علم الاقتصاد والاجتماع، فالدولة ليست أرضاً وسلطة سياسية فقط، وفي حالة الإمارات فإن الإشكالية الكبرى ليست في توافر العناصر المكونة للدولة، إنما في عدم تماشيها مع السياق العام للدولة، إن الإمارات دولة عربية ودستورها ينص على أن لغتها الرسمية هي العربية، بينما غالبية سكان الإمارات لا يتحدثون العربية، وليس مطلوبا من أي شخص يعمل فيها أن يجيد لغتها، وهذا خلاف ما هو معمول به عالميا، من بين هذه الغالبية القادمة من كل بقاع الدنيا، فإننا لا نشمل الأخوة العرب بطبيعة الحال!! وقبل أن يصرخ متعصب في وجوهنا ناعتا إيانا بالعنصرية وعدم تقدير الأمور، قاذفا التهم المعتادة عن أن الإماراتيين لا يمكنهم أن نعيشوا بدون الأجانب وبأنهم هم الذين بنوا وعلوا وعمروا، نقول: نعتذر عن إزعاج مشاعركم، لكننا نستطيع أن نعيش وأن نعتمد على ذواتنا وأن نستعين بالخبرات والأيدي العاملة، شأننا في ذلك شأن أي بلد أو أية أمة استعانت بالآخرين لتبني وتؤسس قواعد نهضتها العمرانية، فبريطانيا لم يبنها الإنجليز وحدهم، والحضارة الفرعونية لم يعمر صروحها الفراعنة وحدهم، فهذه الدول استعانت بغيرها مع أنها تضم ملايين البشر على أرضها، هذه طبيعة بناء الحضارات عبر التاريخ ولسنا في ذلك بدعا من الأمم حتى نعير باستعانتنا بغيرنا أو نكون أسرى هذه الاستعانة أبد الدهر· مع ذلك نقول إننا دولة تنمية مستدامة، وبحاجة دائمة إلى وجود أيدي عاملة في كل الحقول والمجالات، وبحاجة أكبر للخبرات والمؤهلات العالية والمتوسطة، التي تخدم المشروع التنموي في الإمارات، لكننا مصرون على أن تقنين وجود الأجانب من العمالة العالية والمنخفضة يجب أن يقرر وفق الحاجة الحقيقية للإمارات، وهذا لا يعني بأية حال توجها مضادا لأحد، لكنه يعني مراجعة ماسة للسياسة السكانية التي تعاني خللا رتب كلفة اقتصادية وأمنية واجتماعية وثقافية يعاني منها الجميع· إن الزحام الذي نشهده ونختنق به يوميا ليس سوى حالة رمزية لاختناق الإمارات بالأجانب، الاختناق الذي وصل إلى كل شئ فأغرقه، بدءا بالشوارع والطرقات وانتهاءً بأدق تفاصيل الهوية الثقافية للبلد، مرورا بالسيطرة الكلية على الأحياء السكنية وقطاعات كاملة في مجالات العمل والاقتصاد، إذا تفاقم الوضع السكاني أكثر مما هو عليه الآن، ماذا ستنفعنا هذه التنمية؟· كلما دخلت حيّنا القديم الذي سكناه منذ 24 عاما وكان يعج بالعائلات المواطنة، باللسان الإماراتي، برائحة الطعام الإماراتي، بالشباب والرجال والنساء الإماراتيات، تفر الدمعة من عيني؛ لأننا فرطنا فيه وتركناه وأجر معظمنا منازله للآسيويين، فتغيرت خريطته وتفاصيله وصار لا يشبه ذلك الحي الذي عرفناه منذ 24 عاما·· المسؤولية جماعية، وعلينا جميعا أن نعمل في اتجاه صيانة منجزنا الذي نفاخر به العالم كله! ayya-222@hotmail.com