أشياء كثيرة تصادف الرائي، يفرح ويغتبط لمشاهدتها، وفي بطن الفرحة مفسدات تتبدد معها أي متعة ومسرة، وهو المسكون بهاجس كبير عظيم الأثر· قادتني قدماي إلى ''مول دبي''، كل شيء فيه جديد يشع نظافة، وأصداء افتتاحه الجزئي لم يمر عليها سوى بضعة ايام، واكثر من نصف محاله لم تفتح أبوابها بعد أمام السباق ليكون الاكبر من نوعه في العالم، فهو بحجم او مساحة خمسين ملعبا لكرة القدم، كما تذكر ''البروشرات'' والنشرات الترويجية للمركز الذي يستوعب أكثر من 1200 منفذ تجاري و160 من المطاعم والمقاهي وتبلغ المساحة الإجمالية للمناطق المخصصة للإيجار في المشروع نحو 3,77 مليون قدم مربعة· ويعتبر المركز بحسب نشرة صحفية لإدارته ''من أهم أجزاء ''وسط مدينة برج دبي'' الممتد على مساحة 500 فدان محتضناً ''برج دبي''، أطول ناطحة سحاب في العالم''· كما سيتضمن المركز أيضا مجمعا سينمائيا يضم 22 صالة عرض، وسيتم افتتاح مجمع العروض السينمائية العام المقبل· وليس هنا بيت القصيد، قدر الوقوف أما السؤال الكبير، على طريقة الرواية الشهيرة ''لمن تقرع الاجراس؟''، واللسان يردد لمن كل هذا؟· لا شك ان المركز سيكون احد عناصر الجذب في صناعة السياحة المزدهرة في البلاد، خاصة لما يضمن من وسائل وعناصر ترفيه وتسلية، في مقدمتها الحديقة المائية التي تضم فصائل من اسماك القرش وغيرها من الكائنات البحرية· وكذلك المحال التجارية من الاسماء العالمية المعروفة، وغالبيتها ان لم نقل كلها متواجدة في المراكز التجارية الحالية الاخرى المماثلة· ولكن مع كل دورة جديدة من دورات هذه الحركة تحمل معها موجة جديدة من امواج البشر المتدفقة على البلاد، التي اصبحت معها قضية الهوية وهاجس التركيبة السكانية هماً وطنياً من الدرجة الاولى· ولعل المشهد في صرح كهذا اختزال للصورة الكلية للمسألة· ووسط لقطات المشهد كان الزي الوطني يمر أمامك كما الاشياء النادرة، ربما واحد من الخمسين، ولا مبالغة اذا ما ارتفعت الى اثنين بالمائة· وما يفاقم من غربتك وسط المشهد غياب اللوحات الارشادية باللغة العربية او حتى الكتيبات الارشادية· ربما كان الذي خطط لها قد أدرك ندرة المتحدثين بها، فرأى ان يقلل من الكلفة، فلا يضيف لأعبائه عبء البحث عن من يكتب او يخط له بالعربية· نعود للموضوع المقلق وهو يتعلق بكيفية تحقيق التوازن بين المشروعات العملاقة التي نتطلع لأن تكون رافدا للاقتصاد الوطني وخدمة تنوعه، وبين هذا الهاجس الذي يؤرق الجميع، والخاص بكيفية الحد والتقليل من الطوفان البشري المتدفق· وإذا كان البعض يرى في معضلة التركيبة االسكانية التي تبدو كعقبة كأداء، أنها ثمرة الانفتاح غير المبرمج مع بداية الطفرة العمرانية، وخلال سنوات البناء مع قيام الدولة قبل 37 عاما، فماذا هو قائل اليوم؟، وكل ما يجري يقود الى ذات النتيجة؟!· ونفس التراكمات - إن لم تكن أشد وطأة - لأنها اليوم في ظروف وأوضاع تختلف كثيرا وبصورة جذرية عن سبعينيات القرن الذي مضى