هل صحيح إن العنصرية مثل الحرب تحتاج إلى طرفين لكي تصبح فاعلة؟ تجيب الدراسات التاريخية والسوسيولوجية بالنفي المطلق، إذ يكفي أن يختزن الفرد أو الجماعة، طاقة كراهية ضد الآخر، بسبب من عرق أو لون أو دين، لكي تصبح طاقة تدمير فاعلة· مع الكتابات التمجيدية لثقافة السود التي رافقت فوز السيناتور باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأميركية (ولم نشذ عن الجماعة في مقالة الأسبوع الماضي)، يحتاج سؤال العنصرية إلى توسع في البحث والإجابة· ظهرت خلال فترة قصيرة كتابات تنضح بالعرقية، وهي تحتفي بنصر المنتصر وبهزيمة المهزوم· وتكاد تظهر من بعضها علامات انتقامية ضد الجنس الأبيض، لا تحاسبه على ظلمه بالانتصاف للمظلوم وإنما تصر على استعدائه وتحقيره· وكأن في الأمر عنصرية معاكسة تؤسس لسلوكها وخطابها· كتب ديريك والكوت، الحائز على جائزة نوبل في العام ،1992 قصيدة احتفائية بفوز أوباما، قال فيها: ''الحارثُ الصغيرُ ماضٍ في صفحته المسطّرة في ما وراء أرض العويل والحزن، في ما وراء شجرة الإعدام، وانتقام الإعصار الأسود، والحارثُ الصغير يشعرُ بدماء التغير في عروقِه وأوردته، في قلبه، وفي عضلاته، وفي أوتاره''· والكوت، الذي انتقل من عذابات جزر الكاريبي إلى أكبر جامعات أميركا، يعرف قبل غيره أن نبوغه لا يكمن في صفاته الجينية، بقدر ما هو نابع من تضافر عناصر شخصية وعامة في المجتمع الذي يعيش فيه· وبالتالي فإن الإتكاء الدائم على آلام السود سوف يطفئ شعلتها التي أضاءت لقرون· في هذا المعنى تقريبا دار سجال قبل سنوات بين والكوت نفسه، وابن ترينيداد ف· س· نايبول الحائز هو الآخر على جائزة نوبل عام ·2001 فهو يأخذ على زميله والكوت أنه انضم إلى تراث أدب ''الشكوى'' و''الغضب'' ضد البيض، وأنه أصبح واحدا من جيش الكتاب الذي ينهلون من ''الأفكار نفسها المتواترة عن السود''· وفي كتاب بعنوان ''شعب الكاتب'' يسرد نايبول قائمة بالكتاب منهم كامي وكويتزي، الذين ''وقعوا جميعا في فخ القضايا العنصرية مع ما يترتب على ذلك من الميل إلى الظهور بالمظهر المثالي''· في ذلك السجال اتهم والكوت مساجله بالعنصرية، وبأنه مصاب بعقدة الاضطهاد، من غير أن يعنى بتفاصيل القضايا التي أثيرت· لا يكفي إطلاق أوصاف الطهارة والقدسية والنقاء على ثقافة السود، بسبب من معاناتهم التاريخية، لكي تكون كذلك، أو لكي تبقى كذلك· لقد كان باستطاعة الاضطرابات في أحياء السود أن تستقطب تعاطف أنصار العدالة والحرية، أكثر مما تستقطبه كتابات تحمل بذاتها أوصاف أعدائها· وقبل هذا وذاك، يتناسى كثيرون أن باراك أوباما، صاحب الفضل في إثارة هذا النوع من الكتابة، هو في مبتدأ الأمر ومنتهاه ابن ''المؤسسة الأميركية'' بجموحها وعيوبها وعنصريتها·· وحسناتها· عادل علي adelk58@hotmail.com