''آفة حارتنا النسيان'' جملة ذكرها الراوي في استهلاله رواية نجيب محفوظ الإشكالية ''أولاد حارتنا''، وهي جملة لم أملك إلا أن أتذكرها عندما نبهني صديقي الروائي إلى أنه مضى عشرون عاما بالتمام والكمال على حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل· لا أنسى الفرحة التي شعرنا بها، ولا أزال أذكر أنني رقصت والمرحوم غالي شكري في ميدان التحرير عندما بلغنا الخبر، وظن بنا الجنون المارة من حولنا، وذهبنا إلى مكتب المرحوم فاروق خورشيد، وكان في باب اللوق، بالقرب من التحرير، ووجدنا أصدقاء لنا هناك، وظللنا نحتفل حتى صباح اليوم التالي، وخرجنا من المكتب الذي لا يزال في مكانه، ولكن تغير ساكنوه، ونحن نرى كل شيء جميلا وبهيجا، بعد أن تحدثنا طويلا، وأذكر أننا ظللنا نسخر ضاحكين من بعض أساتذة الأدب الإنجليزي، الذين كنا إذا ذكرنا لهم أعمال نجيب محفوظ وروعتها، أشاحوا بوجوههم، قائلين بثقة يحسدون عليها: ولكنه يقلّد شارلز ديكنز وأشباهه· وكان تقليلهم من شأن الرجل الذي فتننا يغيظنا غيظا شديدا، فنناقشهم مناقشة لا تخلو من السخرية من ذائقتهم التي التوت كألسنتهم، فلم تعد تميز خصوصية كتابة نجيب محفوظ وأصالتها· وكما كنا نسخر من هؤلاء كنا نسخر من بعض أصدقائنا الذين انتسبوا مثلنا إلى جيل الستينيات خصوصا حين كانوا يتحدثون عن إفلاس نجيب محفوظ وتكراره، وكان ذلك قبل صدور رائعته ''الحرافيش'' وغيرها من الأعمال اللاحقة· وجاءت نوبل لتعيد الأمور إلى نصابها، ويغدو نجيب محفوظ قبلة العالم كله ومحط أنظاره، ويتحول مكتبه فى جريدة ''الأهرام'' إلى مزار لا يتوقف عن استقبال الزائرين من أنحاء العالم المختلفة، ويتخاطف القراء أعمال نجيب محفوظ التي لم يطالعوها وتتكرر طبعات ''أولاد حارتنا'' التي كنا نحسب أنها ممنوعة، ولا تكف ''دار الآداب'' عن إعادة طبعها، وتقوم غيرها من دور النشر الصغيرة بتزوير طبعة ''دار الآداب'' ونرى منها مئات النسخ، تباع مع باعة الصحف على قارعة الطريق، ويعيد النقاد قراءة نجيب محفوظ، وتصدر عنه عشرات من الكتب، وتتولى الجامعة الأميركية في القاهرة ترجمة أعماله الكاملة إلى اللغة الإنجليزية، في موازاة العديد من أعماله التي ترجمت إلى لغات العالم المختلفة·