اجتماع وزراء الثقافة العرب في دمشق مؤخراً، والذي أقر أن تكون القدس عاصمة عربية للثقافة العام المقبل، ما جاء إلا ليؤكد مكانة هذه المدينة في الثقافة العربية والإسلامية، وتحية لجهود المدينة العتيقة المقاومة لمحاولة التهويد، ومحاولة صبغها بطابع إسرائيلي، فهي منذ الأزل موطن كل الرسالات والبشارات، وقبلة كل البشر، لكن التقاتل الفلسطيني - الفلسطيني، والتنابز بالأحزاب، والتفاخر بالتنظيمات، والزعامات الكاذبة جعل القدس وقضيتها تقفان وحدهما في العراء، تواجهان الجرافات الإسرائيلية، وعمليات الاستيطان، وتهويد الأمكنة، وتهجير أصحاب الأرض والسكان العرب· ولا يزال الشد والتوتر باديين حين يطرح موضوع القدس على جميع الأطراف، هذا لأنها القضية الأم، ولأنها قيمة اعتبارية تمثل شيئاً مقدّساً عند ديانات العالم الثلاث، غير أن الطرف الإسرائيلي يأخذ بعداً غاية في الأنانية والصلّف والعنجهية، على الرغم من عدم صدقية ما يستندون عليه سواء في التاريخ أو الإرث أو منطق الحال، إلا أنهم يمثلون الجانب الأقوى في الطرح، مسخرين كل السبل لخدمة الهدف الأسمى· الجانب العربي أيضاً متشدد، ويحاول أن يكون موضوع القدس جزءاً من ثوابته التي يجب أن لا تتغير، ويستند في ذلك على وثائق يدعمها المنطق والتاريخ والآثار والإرث، لكن الجانب العربي يتحدث من موقع أضعف، بعكس الإسرائيلي الذي يدعم منطقه بدبابات واحتلال، وتخطيط بنائي ومعماري لإقامة الهيكل، وتشويه في ملامح المكان التاريخية والقائمة، والترويج لأسلوبه بسلاسة وبعاطفة، وبامتهان الغش والتدليس، وتمريرها في وسائل الإعلام الغربية، وكأنها حقيقة ثابتة· ومن بين آخر الحملات المسعورة التي تتبناها إسرائيل بين الحين والآخر بشأن القدس، صرخات رئيس بلديتها الإسرائيلي باستمرار: بـ''انه كثير القلق من الوضع السكاني للقدس، وهو أمر يمكن السيطرة عليه، لكن يتطلب تدخلاً واسعاً واستخدام أجهزة وطنية أكثر جدية مما في مستطاع البلدية، وأن العرب هم قنبلة ديموغرافية مؤقتة، وأن عددهم يزداد ضعفي نمو عدد اليهود، فاليهود يتناسلون بنسبة 0,7 في المائة، بينما العرب يتكاثرون بنسبة 4,7 في المائة، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فبحلول عام 2035 سيتساوى السكان العرب بالسكان اليهود· لنعود إلى الأرقام لكي نتعرف على سبب صرخة رئيس بلدية القدس، فهي تعتبر أكبر مدينة في إسرائيل تمتد على مساحة 126 كلم مربعاً، بلغ عدد سكانها حسب إحصائية 2001 نحو 670 ألف نسمة، أي ما يعادل عُشر سكان إسرائيل، يمثل اليهود 68% منهم، والعرب 32%، ورغم أن هذه النسبة لصالح الإسرائيليين، والفارق بينهما تقريباً النصف، إلا أنها بدأت تشكل قلقاً بالنسبة للإسرائيليين الذين يجب أن نعترف بأنهم أكثر تخطيطاً وأكثر منهجية، وأبعد نظراً للظفر بما يريدون، لذا يخافون من التزايد التدريجي للسكان العرب في هذه المدينة التي ينوون أن تكون عاصمة مستقبلية وأبدية لدولتهم، ومقدّسة لتواجدهم وكيانهم، والتي لم يعترف بها أحد دولياً كعاصمة لهم، إلا دويلة وحيدة معظم سكان الأرض يجهلون مكانها على الخريطة، هي ''ميكرونيزا''· لقد كانت نسبة اليهود إلى العرب في المدينة عام 1967 74% إلى 26% وعام 1980 بلغت النسبة 72% مقابل 28%، ورغم أن هذه النسبة اليوم تبلغ الثلثين مقابل الثلث من العرب إلا أن الخوف الإسرائيلي والحسابات الإسرائيلية تشير إلا أن هذه المدينة ستكون ذات أغلبية عربية خلال عقدين من الزمن· إن الخطر الديموغرافي·· صرخة إسرائيلية من أجل المدينة التي يريدون·· فإين الصرخة العربية والإسلامية للمدينة التي يعشقون؟!