شرف لقب العاصمة الثقافية العربية تحظى به كل عام مدينة عربية، وهو تقليد حضاري على غرار المدن الثقافية الأوروبية أو أميركا اللاتينية أو الإسلامية، هذا الشرف السنوي قدر أن يضفي على المدن المختارة عربياً أو إسلامياً حالة من الحضور الإعلامي والثقافي الدولي، ويعطيها نوعاً من التمايز في تعاملها مع الفعل الثقافي الجديد في مناح عديدة من حياتها اليومية وسلوكها المالي والإعلامي والثقافي والفني والاقتصادي والسياحي· لقد قدرت هيبة اللقب الذي منح للمدينة أن يطوعها، ويغير إيقاعها اليومي الاقتصادي والسياسي وسحبه نحو الثقافي والاهتمام الحضاري، فكل المدن العربية التي تشرفت بهذا اللقب كـ''عاصمة ثقافية'' اختلفت ميادينها، وتزينت بأعمال لفنانيها ومبدعيها، قدرت أن تنبش بعضاً مما في خزائنها القديمة، ويرى النور، قامت باستقطاب مفكرين وباحثين شعراء وروائيين ليقولوا فيها حكمتهم، ويقولوا شيئاً من بعض أشياء الخلود فيها وفي أعلامها وروادها، عرف الجيل الجديد رموزاً تاريخية منسية، وعرفت شوارعها كيف تشكر مبدعيها وتخلد ذكراهم، خلقت حالة من الإبداع عند الكثير، وفي كثير من الأمور· هذه السنة تدثرت دمشق عن بردها بدثار العاصمة الثقافية العربية، وهو لقب سبقته دمشق، أو هو تأخر في الوصول إليها، غير أنها تريد أن تذكّر وتتذكر، تذكّر أبناء العروبة بالمهد والحاضنة الرؤوم، وتتذكر جميل مجد بقيت قابضة عليه كجمر من قضا· وكجزء من رد الجميل لهذه المدينة العتيقة، وجزء من روح الفرح العربي والمشاركة الوجدانية لطبيعة العلاقة التي تجمع الإمارات بسوريا، كانت مشاركة الإمارات في هذه الاحتفالية بأسبوع أرادته أن يكون متميزاً، وله خصوصية ما للعلاقة التي تربط البلدين، وهذا ديدن الإمارات، فقد كانت في العام المنصرم في الجزائر حين حملت ذاك الشرف· إن التواجد في مثل هذه التظاهرات الثقافية واللقاءات الحضارية التي تعني بالمعرفة والتواصل الإنساني هو في حد ذاته إنجاز، فكيف إن استطعت أن تختزل الإمارات في عدة مظاهر فنية وأدبية وتقدمها للزائر والمقيم في هذه العواصم المتوجة· كان العرض المسرحي الإماراتي ملفتاً للنظر، عكس النهضة المسرحية التي وصل لها المبدع الإماراتي، كان الاحتفاء بالمبدعين السوريين الذين عاشوا في الإمارات ردحاً من الزمن، باذلين علمهم ومعرفتهم وتجاربهم في خدمة الشأن الثقافي والفني والإعلامي في الإمارات سامياً وراقياً، كانت فرقة الفنون الوطنية محل تقدير واهتمام أينما قدمت عروضها في الميادين العامة أو من على خشبة المسرح، فهي حالة علينا أن نمدها وندعمها ونطور من قدراتها لأنها سفير جميل للإمارات في أي مكان، كذا كان حضور الشعراء والأدباء لافتاً، فأحياناً ما يستطيع أن يقدمه الفرد، يفوق ما تقدمه المؤسسة· هناك شيء ما في الصدر من زمان، وحين كانت المشاركات في التخطيط الأولي لبدء طرح فكرة العواصم الثقافية العربية، أن تحظى بها يوماً أبوظبي أو العين، هي أمنية في الخاطر منذ تلك الأعوام، ويومها ربما كنت أراها بعيدة، لكنني اليوم أراها قريبة، فليت أبوظبي تخطط أن تكون عاصمة ثقافية في قادم الأعوام، خاصة وأنها تحتل اليوم شيئاً من الصدارة في عملها الثقافي والحضاري، ولتكن أعوام افتتاح متحف اللوفر وجوجنهايم وجزيرة السعديات الثقافية بكل ملامحها ومظاهرها الفنية، وتكون بعض مشاريعنا الثقافية الحاضرة قد أنجزت شيئاً من وعودها ومواعيدها في أبوظبي والعين، تبدو مناسبة لو اشتغل عليها بطريقة صحيحة، مذكراً بكلامي منذ سنوات عن حلم كان يومها صغيراً في الرأس، وأراه اليوم يكبر·· ويكبر!