أتيحت لي فرصة الالتقاء بطالبات جامعة الإمارات وجامعة زايد وجامعة الشارقة، وكان الأمر مفيداً ومثمراً على الأقل من جانبي، لأنني تعرفت على الجيل الجديد الآتي بعدنا، كيف يفكر؟ وكيف يتعامل مع القضايا الوطنية السياسية والاجتماعية والثقافية؟ وإلى أي مدى هو اليوم يمثل حاله؟ وهل لديه بعض من السطحية، وبعض من عدم الالتزام تجاه الحياة ومتطلباتها؟ - كما يتهمه الجيل القديم- وهل ثمة انفصال للعرى بينه وبين تاريخه وإرثه القديم؟ أم هو شقي بالهموم العربية كحال السابقين الأولين؟ هذه اللقاءات زادت من قناعتي، أنه لا يجب محاكمة الجيل الجديد بقيم وموروثات قديمة، أو كانت تصلح لنا ولجيلنا في تلك الأيام، ولكنها اليوم لا تصلح للجيل الحاضر· وأن لا مبرر لغياب الثقافة الموسوعية عند الجيل الجديد والتي أصبحت اليوم غير مطلوبة ربما، بقدر ما هو مطلوب التخصص والمهنية، لكن ما يحسب لهم كجيل أنهم يملكون الجرأة في طرح المواضيع، والأسئلة الحياتية، الأمر الوحيد الذي ظللت استغرب له، أنه في زمننا غير البعيد، لم تكن كل هذه الوسائل المعرفية والترفيهية ميسرة ومتوفرة وتغطي العالم، ومع ذلك كان هناك اجتهاد وتعب في البحث عن المعلومة والمعرفة، وإرهاق مضن لكي يبني الإنسان شخصيته في ظل عدم توفر المادة والحياة المستقرة ومستلذات الحياة ونعومة العيش، في حين اليوم الحياة تعلّم على التراخي وأخذ الأمور بسهلها لا بعسرها، لذا مطلوب أن يستغل الإنسان الجديد كل هذه المكتسبات التي سخرت لأجله، ولا يظل رهين التاريخ المحبوس وبكاء العربي على أطلاله، وحالات الإحباط العربي العام، وهنا لا ندعو لانقطاع التواصل بين الأجيال السابقة واللاحقة، بل لابد من تراكم التجارب المعرفية التي تفيد المسيرة الإنسانية· كان الجيل السابق يذهب للمعرفة، الجيل الجديد اليوم تأتيه المعلومة إلى باب بيته وغرفة نومه، الجيل السابق كانت الاختيارات محدودة، الجيل الحاضر الاختيارات أمامه غير محددة، لذا ما نتمناه على الجيل الجديد أن يصنع مستقبله ويدافع عن نفسه، من غير أن يفرط في الثوابت العربية العامة، لأنها هي التي تعيد توازنه إذا ما خانت به الأقدام، أو تعرض لأي انتكاسة في مسيرته، وهي القادرة أيضاً أن تنهض به من جديد· الجيل الجديد سيقاسي أكثر من الأجيال السابقة، لكنها ستكون امتحانات حضارية أكثر، فالتأثيرات الخارجية كبيرة وكثيرة، والمؤثرات الداخلية عصيبة، لكنه قادر أن يدافع عن حريته ويصنع يومه ويخطط لمستقبله· إن المستقبل والتحديث والعصرنة أصبحت ضرورة لكي ننفذ إلى أقطار الشعوب والأمم المتقدمة التي تهتم بصناعة الأمل للأجيال القادمة، بعيداً عن الحروب والكوارث الطبيعية والأمراض والشيخوخة والجهل والفكر المغلق· كل هذه التحديات وغيرها، قادر الإنسان العربي الجديد أن يتجاوزها كما تجاوز غيرها عبر تاريخه الطويل، فالمطلوب حروب من أجل المستقبل، لا تحارباً بين الأجيال· هذا الأمل زرعه في نفسي الجيل الجديد الذي التقيته، وصنعه ذلك الحنين لأماكن الدراسة وطلب العلم والمعرفة التي تزخر بها اليوم بلادي·