بحثت بين الحشود التي رافقت باراك أوباما في حملته الانتخابية، واحتفلت بانتصاره المدوي، عن وجه توني موريسون· فالكاتبة الرسمية لسِيَر ملايين السود الذين استبيحوا واهدرت انسانيتهم واستُرقوا، على مدى قرون، تستحق أن تكون القائد الميداني لأول انجاز بهذا الحجم يحققه أبناء جلدتها في تاريخهم· لكن الروائية الأميركية الأفريقية لم تظهر على شاشات التلفزة، تهتف، أو تصرّح· لم تنضم إلى جوقة ''البروباغاندا'' الإنتخابية، لم تصفق ولم ترقص· ظلت توني موريسون، الحائزة على نوبل عام ،1993 في موقعها الأدبي المشرف على الحدث والمستلهم له· في مقابلة مع الملحق الثقافي لصحيفة The Sunday Times قبل أيام قالت صاحبة ''محبوبة'' إنها لم تلتق باراك أوباما أبدا، لكنها بعثت إليه برسالة تدعوه فيها لكي يقرن الخيال الخلاّق، في حملته، بالذكاء والحكمة· ثم اتصل بها أوباما في كانون الثاني سائلا إياها إن كانت ستقول شيئا مؤيدا له، فأجابته: سوف أفكر بالأمر· وبعد اتصال آخر من أحد معاونيه، كتبت مؤيدة له، وهو ما شكرها عليه الرئيس المنتخب لاحقا· تعطي موريسون بهذا السلوك مثالا جليا على ما ينبغي أن تكون عليه المسافة بين السياسي والأديب، بين المثقف والسلطة· لقد كانت موريسون في معترك قضية السود قبل أن يولد رئيس الولايات المتحدة الجديد· كتبت تاريخهم المجبول بالدم والدموع، على النحو الذي فعله روائيو روسيا العظام في كتابة تاريخ بلادهم المشحون بالقهر· فأسست منذ ''أكثر العيون زرقة''، ومن ثم ''نشيد سليمان'' و''صولا'' و''طفل القطران'' وبالطبع ''محبوبة'' لسجل تاريخي عن مجتمع السود والأفارقة اعتمده الدارسون كمرجعية سوسيولوجية قبل أن يعترفوا بقيمته الفنية والأدبية· كشفت موريسون الماضي، على ما فيه من قسوة، من أجل مستقبل يكون فيه باراك أوباما أو غيره· فكانت الأجرأ فيما تخلف عنه غيرها· فرائد الأدب الأميركي الأفريقي جيمس بالدوين كان يدين نزعة التناسي في مجتمعه: ''هناك جوانب كثيرة لا نحب نحن السود أن نعرفها عن أنفسنا، وهذه الجوانب وثيقة الصلة بماضينا وبالعذاب والاضطهاد والقمع والقتل الذي تعرضنا له وعانينا منه كثيرا''· فعلت موريسون في مجال الأدب ما فعله مارتن لوثر كينج في الفكر والسياسة والإجتماع· استلهمت تركة أجدادها المريرة، وعرّت العدوانية الكامنة في الحاضر، على نحو ما فعلت في كتابها ''اللهو في العتمة'' التي فندت فيه الخطاب العنصري المضمر في الروايات الأميركية المعاصرة، من غير أن تستثني ما كتبه بعض أقرانها ومنهم هانرييت ستو صاحبة الرواية الذائعة ''كوخ العم توم''· وأدانت ما أسمته ''البياض الأدبي'' الذي يصور الإبداع وكأنه نتاج لعبقرية البيض وموجه لهم·· توني موريسون، في كل ما كتبته، كانت تمد الجسر الذي سيعبره باراك أوباما·· فيكون بحاجة إلى كلمة دعم منها وتجيبه على طريقة المكتفي بذاته: ''سوف أفكر في الأمر''· عـادل علـي adelk58@hotmail.com