الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها العالم أجمع بدرجات متفاوتة عالمية بكل المقاييس، حيث لم تنج منها دولة في العالم وستحتاج زمنا لتعود الأمور الى سابق عهدها، هذا ما يقوله الاقتصاديون الذين لا يتعاملون مع الأزمة بمنطق التفاؤل أو التشاؤم، ولكن بمنطق العلم وأبجديات دورة الاقتصاد ورأس المال التاريخية· لم تكن البشرية بحاجة ماسة إلى هذه الكارثة الاقتصادية لتعي أن العالم قرية صغيرة متشابكة المصالح، لكن الأزمة زادت يقين العالم بحتمية العولمة وبتشاركية المصير البشري في نهاية الأمر، وعليه لم يعد مقبولا أي انفراد بحق تقرير المصير بالنسبة لكوكب الأرض تحت أية حجج، لقد جربت البشرية عبث القوة العظمى بسيرورة التاريخ وعبث الرأسماليين الذين تلاعبوا بدقائق النظام المالي لمصالحهم الشخصية، وجربت البشرية قرارات الحروب العبثية عبر التلفيقات وتضليل الرأي العام العالمي، وما عاد بإمكان أحد أن يحتمل هكذا تجارب مرة أخرى، لأن الدرس كان قاسياً جداً !! عندنا في الإمارات صرت تسمع لغة جديدة على ألسنة الشباب تدور حول تقنين الإنفاق، واستذكار أمثلة اعتقدنا بأن لا أحد يتذكرها، وعلى رأسها المثل المصري الشهير: القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، صار الجميع اليوم في جلساتهم وأحاديثهم يطرحون الاسئلة ذاتها: الى متى ستبقى هذه الازمة؟ متى ستعاود أسواق المال انتعاشها؟ لماذا هوت بعض الأسهم إلى ما دون قيمتها الدفترية؟ هل هذا جائز؟ هل هذا طبيعي في دورة الاقتصاد؟ وأسئلة أخرى خلاصتها أن الكثيرين يئنون تحت وطأة خسائر بلاحدود، وما من توضيح يشفي غليلهم!! أعتقد أن ما يريده هؤلاء الناس خبر واضح من هذا النوع: هذه الأزمة ستنتهي خلال شهر مثلا وستعاود الاسواق تألقها وأرباحها !! هذا الخبر لا يمكن لأحد أن يدلي به، علينا أن نعي ذلك، فخيوط الأزمة ليست في أيدي أحد كي يملك مفاتيح الخروج منها، للأزمة مفاتيح في أماكن أخرى وجهات لا نعلمها، وربما لا وجود لمفاتيح أصلا وإنما هي دورة رأس المال، الدورة الاقتصادية التاريخية الحتمية التي تحدث كل عدد من السنين لأسباب، على فقهاء الاقتصاد أن يقولوها للناس، خاصة مستثمري البورصة الذين تصوروا لوهلة أن البورصة تشبه البقرة الحلوب التي لابد أن تدر حليبا سائغا للشاربين كلما حلبوها صباحا، طالما أن المرعى جيد، في الحقيقة هناك عوامل خارجية أخرى اتضح أنها تؤثر في اللبن، لكنه إذا انسكب فمن الصعب التقاطه بسهولة!! إن تقنين الإنفاق، والحد من المبالغة في النمط الاستهلاكي الذي دخل فيه البعض بشكل جنوني نتيجة وفرة الدخول المتحصل أغلبها من أرباح البورصة أمران فرضتهما الأزمة على البعض وأظنها ستكون استحقاقا طبيعيا في المرحلة القادمة التي ستشهد أنماط استهلاك مقننة وبديلة كتلك التي نتجت في الولايات المتحدة والغرب بعد الأزمة العالمية التي ضربتهم عام ،1929 يوم لم نكن نعرف نحن هنا شيئا عن البورصات والأسهم، ومع ذلك فقد أصابتنا شظايا الأزمة تلك بسنوات عجاف يتذكرها أجدادنا جيداً!! ayya-222@hotmail.com