عندما كان القلب خالياً وصغيرا حجماً ومضموناً كنت دون العاشرة حين دقت نواقيس الحب في عالم يغمره الخيال· لقد كان ''سيفوه '' صاحب السيكل الأزرق الجديد فتى أحلام كل صغيرة تتمنى ان تركب دراجه هوائية رقم 14 خاصة في يوم العيد الذي تزدحم جيوب والديهم بما جنته واقتطفته ايديهم الصغيرة من صكوك وكسورها· لقد كان طبيعياً ان تنادي الام كل الذين يسبق عودتهم الى منازلهم آذان المغرب ''الهايت'' اذا كان صبياً و في حالاتي''عنز الحارة'' وبما اني من سكان الشندغة التي قد يطلق عليها بالمفاهيم الحديثة ''قلب المدينة''فيما يقع بيت ''قوم سيفوه'' الذي يعتبر صرحاً معمارياً في واجهة البحر، شبهت نفسي ''بعنز الحارة'' التي وقعت في غرام التيس الغريب· و ان كانت غربته لبعد مسافة السكيك و ضيق اتساعها لتنوع حوادثها و روايات المساء المثيرة المدونة في ذاكرة الكبار عنها· ولكن بعد فترة وجيزة ازداد غرامي بالدراجة وفتر حبي و اقبالي على ''سيفوه''· فقررت ان أجمع ما استطيع من نقود لشراء دراجة لي وعقدت العزم على ان اكون مثله ''لايشاركني أحد ركوبها''· وبعد عيدين تبعتهما زكاة ونجاح في الصف الخامس استطعت ان أجمع 35 روبية'' وكان هذا كل ما اريد في غياب مبدأ القروض المفروض الزامياً علينا من دون سوانا حالياً· وجاءت الدراجة جديدة حمراء ظلت مطوية في قرطاسها الذي هددت وجوده عوامل التعرية المختلفة· لعبت امامهم وتباهيت بها وكلما طلب مني احدهم ''زام'' قلت له '' شحقة ما يمعت بيزاتك واشتريت لعمرك سيكل؟'' يعني بالعربي الفصيح :اغرب عن وجهي! ومن سوء حظي أن علكت سلسلة الدراجة أطراف '' ثوبي'' و بدأت أهزل في تحصيلى الدراسي الذي كان أصلاً بوزن الذبابة و صارت امي تحدق في عيني كأنها تراني للمرة الأولى فادركت ان شعبية الدراجة تقتصر على الصغار الذين كنت أعتبر نفسي كبيرتهم بما امتلك· فقررت تأجير الدراجة الساعة بروبية· لقد أعطاني بالخير ساعة ''وستن دواج'' وكنت الوحيدة بين اولائك الصغار القادرة على معرفة الوقت و تحديد أبعاده· كنت أستلم الروبية أولاً ثم اسلم الدراجة تالياً· علي الاعتراف بان النزاهة لم تكن فكرة شائعة لدي آنذاك، فبعد خمس دقائق من ركوب المؤجر كنت ألفُ عقارب الساعة و أستعجل الراكب بالنزول· أمامي يقف طفلاً فاغراً فاه و يديه متسائلتان وحواجبه معقوفة واقف أنا مشيرة إلى الساعة فهي صادقة ولاتكذب· اللقطة التالية طفلٌ ''منخذل'' وربما دموع قهر لقد جمعت 35 روبية في اسبوع وكنت في سعادة من ذكائي والدهاء· في الاسبوع التالي جاء والد أحدهم من الحج وأحضر لة ساعة ''رادو'' جديدة زينت معصمه وزعزعت من ثقتي، فكان يجلس محملقاً في سعي عقاربها ومقارناً مفاهيم الوقت و الزمن مع ساعتي· فما كان مني سوى ان عرضت علية شرائها حتى أسلم من شره وشرها وعندما رفض عرضت عليه ان يشتري دراجتي فأحفظ ماء وجهي و يستفيد· فكر ملياً و قال: وهل تبيعيني ساعتك أيضاً· اليوم أنا أعمل في معهد أكاديمي في حين أصبح مشتري الدراجة والساعة من مالكي الأبراج والمجموعات القابضة·