على تلك المنصة في حديقة ''جرانت بارك'' بمدينة شيكاجو تركزت الكاميرات لأكثر من مرة على وجه داعية الحقوق المدنية القس جيسي جاكسون، والدموع تنهمر من عينيه بانتظار إطلالة باراك حسين أوباما ليعلن فوزه كأول رئيس للولايات المتحدة الأميركية من أصول أفريقية· الدموع التي انسكبت في ذلك اليوم التاريخي في ليلة الانتصار التاريخي الذي اكتسح فيه أوباما منافسه الجمهوري جون ماكين ليصبح الرئيس الرابع والأربعين لأميركا، إنما عبرت عن ديناميكية وحيوية المجتمع الأميركي والحراك الذي يتسم به· خاصة أنه وإلى عقود قريبة جداً مضت لم يكن يسمح لمواطنيه السود بالجلوس في المقاعد الأمامية من وسائل المواصلات العامة والمطاعم والمحال الكبرى ناهيك عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات· ومن رحلة السفينة ''اميستاد'' التي صورت واحدة من أشهر قصص الاتجار بالرقيق، وخلدها المخرج السينمائي الشهير ستيفن سبلبيرج في فيلم يحمل الاسم ذاته، وحتى لحظة اعلان الانتصار التاريخي في ''جرانت بارك'' قصة إصرار وكفاح سلمي غير مسبوق· في العدد الأخير من مجلة ''نيوزويك'' نشرت مقتطفات من كتاب ''كن واضحاً'' وهو عبارة عن مقتطفات من خطب فيرنون جوردان الابن الذي لا يقل شهرة عن جاكسون كداعية للحقوق المدنية، ويعد من أبرز الشخصيات الأميركية الأفريقية التي عرفت بصداقاتها للعديد من الرؤساء الأميركيين ومديري الشركات الكبرى هناك· يقول فيرنون في كتابه الذي يصدر هذا الشهر'' أقف اليوم، أنا الذي ولدت عام 1935 في عمق الجنوب، ورأيت والدي وشقيقي الأكبر يذهبان إلى أوروبا للقتال في الحرب العالمية الثانية، وعندما يعودان إلى جورجيا يحرمهما القانون من التصويت في انتخابات البيض التمهيدية، أقف مذهولاً ومبهوراً وغير مصدق، وتتقاذفني الشكوك بأن أميركا بلغت فعلا هذا المكان وهذا الزمان''· ويورد فيرنون قصة تعود الى الرابع من يوليو 1944 عندما قرر القس والحلاق الاسود بريموس كينج الا يكتفي بالقاء العظات في الكنائس الصغيرة المنتشرة في ريف الحزام الاسود في ولايتي جورجيا والاباما، وقام باقتحام قاعة المحكمة في إحدى مقاطعات الولاية الأولى وهو يقول للمسؤولين الانتخابيين البيض'' أنا مواطن في هذه المدينة والولاية، أدفع الضرائب بانتظام، وأجيد القراءة والكتابة والحساب، ولم أرتكب جريمة اخلاقية، وقد جئت لأصوت''· ومع هذا طرد شر طردة من المكان، ولكنه لم ييأس ورفع دعوى أمام محكمة اتحادية في ذات الولاية حكمت في العام التالي بحقه في التصويت في قضية استمرت عدة سنوات أخرى بعد أن استأنف الحكم الحزب الديمقراطي، ذات الحزب الذي قدم بعد عقود قليلة على تلك الحادثة باراك اوباما ليتقدم إلى سدة الحكم نحو المكتب البيضاوي في البيت الابيض· وبريموس كينج نفسه ولد لأبوين كانا قد هربا الى جورجيا من الاضطهاد الشديد الذي كان يتعرض له العاملون في زراعة الأرض بالمحاصصة في ولاية الاباما· إنها مجتمعات عانت ولكن تطورت في حراك لم يعرف ظهور أمثال ''القائد الضرورة'' ذي الاسماء الـ ،99 الذي أهلك الزرع والضرع ، ثم هلك وأهلك من معه في مجتمعات العالم الثالث