بعض المدرسين يصيبونك بالاكتئاب، وأنت تشاهد وجوههم العابسة، والبائسة واليائسة، وتحاول أن تنتقي الفاضل، وتلطف من كلامك وتستخدم كل المحسنات البديعية في اللغة لمخاطبتهم، ولكن لا تلبث أن تصاب بالإحباط، عندما تصفعك كلماتهم الجارحة، النابحة، الناضحة، كالماء الملوث، بديدان وتراكمات أزمنة غبرت، وعبرت على أكتاف هذا الكائن البشري والذي بدا كالأحفورة لا منطق لها غير قدم التاريخ وغباره وأسراره وأخباره وأطواره وما عافته النسور والجوارح· عندما تقف أمام بعض المدرسين تشعر وكأنك تقف أمام تمثال ضربه الزمن، ودارت عليه الدوائر، تجاهد مستميتاً أن تستخرج منه عبارة لطيفة خفيفة، فلا تجد غير تغضين الحاجبين، وتعقيد الجبين وكسر الجناحين، وتحاول مرة أخرى أن تطير معه خارج أسوار المشاعر، المتدفقة كالرصاص العاري من الرحمة والشفقة، فلا تستطيع لأن هذا المدرس أو ذاك، تحرر من زمن بعيد عن دوره كمعلم ومربٍ، وارتكب بفعل فاعل جريرة الموظف، الذي لا شأن له ولا شجن بالعملية التربوية والتعليمية، فقط هو موظف يؤدي دوامه اليومي، ويرحل إلى غايته إلى أن تطلع شمس اليوم التالي، وهكذا يذوب هذا المسكين في دوامة الأسئلة العادية والاستهلاكية، وعندما نفاجئه عن مستوى طالب أو علاقته به يرد مرتبكاً مبلبلاً، معتصراً، يفتش في الأوراق والملفات علّه يعثر على الاسم المطلوب، فيهز رأسه كما يفعل بعض الآسيويين، هذا الطالب لا بأس به، ويمكن أن يصبح جيداً لكنه مشاغب كثيراً·· يتحرك كثيراً·· وعندما تقول له: نحن نسأل عن طالب في الابتدائية الدنيا، وليس عن طالب ماجستير أو دكتوراه، فالحركة يجب أن تفسر وتوضح، لأن عكسها الخمول والكسل والغباء· فيرد بجمود، أنا لا علاقة لي بهذا الأمر ولا أستطيع أن أعاقب الطالب حتى لو بكلمة·· فقط أحاسبه وأعاقبه بالدرجات·· يا إلهي، فأين المعلم المبجل، والرسول والأمين على التربية والتعليم وبناء العلاقة الأبوية مع الطالب، واحتضانه والاحتفاء به كجنس بشري غض، بض، لايزال في أول الخروج من بيت إلى محيط آخر·· ليست هذه الصدمة الأولى، والصفعة الأولى التي قد تشل العقل، وتزرع الخوف في جوفه، وتمنعه من البوح بما يفوح في وجدانه·· أليست هذه العقبة الأولى في الخطوة الأولى لكائن بشري يفترض منا جميعاً أن نقنن سلوكه ولا نحقنه بإبر التخدير، والتغيير، أليس من المفترض أن نكون جميعاً جسداً واحداً، لا يرجفنا خوف، ولا يعصف بعقلنا حيف، ولا يكسرنا إحباط وتثبيط همم·· نحن نتحدث عن الحرية والشفافية، فكيف لنا أن نحقق هذا المطلب ونحن نربي صغاراً على الكبت، وسلب الذات ونهب المشاعر وتكبيل العقل بأفكار نام عليها الزمن وشبع نوماً·· نقول بكل صراحة، تغيير المناهج وتطويرها يحتاج إلى تحقيق المعادلة الصعبة ألا وهي تغيير وتطوير العقل الذي سيقدم هذه المناهج، وإلا فإننا كمن يحرث في البحر·· أبناؤكم عباقرة، ومبدعون، فلا تلجموهم ولا تحجموا انطلاقتهم، بمدرسين يجهلون معنى التعليم·· فالتعليم يبدأ بابتسامة، ثم حق القوامة، فالاستقامة بما يقدم من مناهج جديدة