كلما قرأت جديداً للشاعر المصري أحمد الشهاوي يخالجني شعور بأنه يحمل إزميل النحات ومطرقته ويكتب بهما قصيدته· حتى وهو يحرص على تثبيت علامات التنوين فوق حروفه، فكأنه يريد بها أن يبرز زاوية أو يعمّق انحناءة· وعملية الحفر التي يقوم بها الشاعر في رخام لغته، ليست متقطعة أو مواربة، بل هي فعل اختياري مستمر: ''في بستان ما أتخيّر ثمره أنقش فوق خرائطها رؤياي''· ينتمي صاحب ''الوصايا في عشق النساء'' إلى جيل الثمانينات، وهو جيل يكاد يتسم بالطفح الشعري لولا وجود الشهاوي وبعض من أقرانه· ظهرت خلال تلك الحقبة أصوات، زاعقة أو مبحوحة، تكتب الشعر انتسابا وليس انتماء· كما ظهرت حالات شعرية، بثت في بداياتها تباشير الإضافة إلى المشهد الشعري العربي، لكنها سرعان ما تسربلت بأمراضه· بين هؤلاء كان الشهاوي يؤسس لمشروعه الشعري على طريقة البنائين الذين يرون اكتمال مبناهم، على الخرائط، قبل أن يضعوا اللبنة الأولى· فنراه ينشر في العام 1991 كتابه ''الأحاديث ؟ السفر الأول''، وهو مشغول بنحت السفر الثاني، الذي سيصدر في العام ·1994 وهكذا كان الأمر مع ''الوصايا في عشق النساء ـ الكتاب الأول'' الصادر عام ،2003 والذي يمكن أن يكون ''لسان النار'' الذي نقرأ حاليا جزءه الثاني· وهنا لابد من التوضيح، بأن اكتمال ''رؤيا'' المشروع لا تعني اكتمال المشروع نفسه· وهذا ما يعيه أحمد الشهاوي في اشتغاله داخل بنيان مشروعه الشعري، وآفاق لغته· وكل منجز يقدمه يضيف إلى الرؤيا وإلى المشروع، باعتباره عنصرا من عناصر تكوينه، ينطوي على مغايرة واختلاف من داخل الوحدة والاتساق، ويشي بمغامرة جديدة نحو اكتشاف جديد أو كشف محتمل: ''أنا الحرف الذي لم تلده اللغات ولم تكتشفه يد''· هذا الكشف هو ''التيمة'' الملازمة لشعر الشهاوي، فكأنه يعرف بها أو تعرف به· هي الهوية الضرورية لكل شاعر، من دونها يبقى المشروع ناقصا، ويصبح البنيان مجرد عمارة بلا وجه ولا روح ولا قلب· ''تيمة'' الشهاوي هي لغته العرفانية، المتلألئة في مناخ من التصوف وطقوسه وحالاته وإحالاته، يقول بها ما لا تقوله اللغة اليومية، ويتوسلها للبوح بعشق بهي بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن ملايين العاشقين: ''قالت: غص وعم فالماء إشراق ولذة عارف ودموع مئذنة وبيان لم''· adelk85@hotmail.com