كان أمين الريحاني يقول: ''من حسنات العمر زيارة الأندلس''· أما أنا فكنت أقول في نفسي: من محاسن العمر أن أزور ميخائيل نعيمة قبل أن يخطفه الموت·· بل من الحكمة زيارة هذا الأديب الحكيم، ما دام الزمن يسمح لنا بذلك· قصدته في داره في بلدة بسكنتا، وهي بلدة مجاورة لجبل صنين في جبل لبنان· وقد نسب ميخائيل نعيمة الى منطقة ''الشخروب'' في لحف صنين، فسُمي ''ناسك الشخروب''، كما سمي أمين الريحاني ''فيلسوف الفريكة''، نسبة لمسقط رأسه في بلدة الفريكة من الجبل اللبناني· صعدنا في الطرقات وقطعنا الأودية والتلال وشاهدنا الصخور الدهرية، في الطريق الى بسكنتا· وحين وصلنا، انضممنا الى حلقة الزوار والمريدين لناسك الشخروب، وهي حلقة بشرية لا تنقطع، وتلتئم على شكل دائرة في ساحة منزل ميخائيل نعيمة، تعلوها وتظللها سنديانة عملاقة، تكاد تنافس الصخور في قدمها وصلابتها· خرج إلينا نعيمة جالساً على كرسي نقالة، تقودها شقيقته·· كان أشبه ما يكون بالسنديانة التي نجلس تحتها، عتيقاً، دهرياً ومتجذراً في الحياة، تجذر الشجرة في التراب· حدثنا الرجل بحديث لا يُنسى· قال، مشيراً بيده الى السنديانة: انظروا الى هذه الشجرة التي نجلس تحتها الآن، وتظللنا بأغصانها وأوراقها، إن لها جذوراً مستورة تغوص في التراب الى أعماق سحيقة موصولة بقلب الجبل· وانظروا الى جذعها وأغصانها وأوراقها، فهي موصولة بالفضاء والفضاء موصول بالسماء، والسماء دائرية، فهي تحمل امتدادات الشجرة وتدور بها لتعود الى أصلها في قاع التراب، فتتكون من خلال السنديانة بجذورها وجذعها وأغصانها وأوراقها وامتداداتها في الفضاء، وعودتها لتتصل بالتراب، دورة أو دائرة هي دائرة الوجود· كان ميخائيل نعيمة لا يؤمن بالعدم، بل بالوجود الدائري وتحولاته، هكذا هو الإنسان وهكذا هي سائر كائنات الوجود والوجود نفسه· هذا ما كتبه في ''مرداد''، وفي قصصه ومقالاته، وما قدم عليه أدلة من سيرته الذتية في كتابه ''سبعون''