لا تملك إلا أن تقول كان الله في عون كل من يقيم إلى جانب أو قرب موقع إنشائي، وأنت العابر تشاهد تجاوزات شركات المقاولات من حيث بسط سيادتها على كل ما يحيط بالمكان من مواقف في مدينة كأبوظبي التي تعيش أصلاً أزمة حادة في مواقف السيارات، أو لجهة الإزعاج الذي تسببه تلك الشركات وهي تواصل عملها إلى ما بعد منتصف الليل· الجميع يتفهم أن مدينتنا تعيش مرحلة تطوير وتجديد شاملين، ويستوعب أيضاً أن هذه الإنشاءات ستثمر أبراجاً ودوراً سكنية وأسواقاً تجارية، وذلك يعني أنها ستوفر المزيد من الوحدات السكنية، والأسواق والمراكز التجارية ستضيف للازدهار، ولكن ما الذي يضير هذه الشركات بإظهارها قدراً من الاحترام للسكان المقيمين في محيط أعمالها· قبل أيام قليلة، اضطرت شرطة أبوظبي لتوضيح سر الهزة الكبيرة التي شعر بها أهالي إحدى مناطق المدينة، بعدما اعتقدوا أنها هزة أرضية، ولم يكن الأمر، بحسب توضيح الشرطة، سوى قيام إحدى شركات المقاولات بوضع كتلة ضخمة في موقع بناء· وهذا مجرد نموذج لما تقوم به هذه الشركات ويفتقر للحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين· أما عن إنشاءات ما بعد منتصف الليل، فحدث ولا حرج· فهذه الشركات تعتقد أنها تعمل في قفار لا يوجد من حولها سكان لديهم التزامات، وعليهم النهوض مبكرين إلى أعمالهم، ولديهم صغار يتوجب عليهم أن يذهبوا إلى مدارسهم، ومن بين هؤلاء السكان أيضاً المرضى والمسنون الذين يحتاجون إلى الراحة· بعض هذه الشركات يعتقد أن عين القانون تغفل عنها بعد منتصف الليل، وبالتالي يمكن أن تمضي في أعمالها الإنشائية إلى ما شاء لها أن تمضي، حتى في أيام الجمع والعطلات تواصل ذلك· أما الشركات أو المقاولون الجائلون الذين يعملون في الأماكن السكنية الخارجية كالسمحة والباهية والشامخة والشليلة وحتى بني ياس وغيرها، فبعد أن يتوقف هدير الآلات يبدأ إزعاج العمال الذين يحشرونهم في غرف الصفيح التي يقيمونها لهم في الموقع الإنشائي ذاته، رغم خطورة وجود هؤلاء وسط بيوت المواطنين هناك· كل هذا من أجل أن يوفر المقاول بضعة آلاف من الدراهم ولا يكبد نفسه عناء إسكان عماله في معسكر، ويجنب نفسه مؤنة نقلهم بعد ذلك· ومن متابعتي لهذا الموضوع، عرفت أن بلدية أبوظبي وضعت أنظمة وقوانين تنظم عمل هذه الشركات، ولا توجد من بينها من تسمح بالبناء بعد منتصف الليل أو في أيام الجمع إلا بتصريح، وفي حدود معينة· ولكن من يتابع الالتزام فذلك له تشعبات أخرى· ومن المتابعة أيضاً، فإن أقسام الشرطة داخل المدينة لا تتعامل مع أي شكوى من السكان حول إزعاج الشركات المتجاوزة، وإنما أنيط هذا الأمر بمركز للشرطة خارج جزيرة أبوظبي في الرحبة· وربما يكون هذا الأمر قد أغرى الشركات على المضي في تجاوزاتها المقلقة لراحة السكان والمفسدة للهدوء العام· وعلى أمل الوصول إلى صيغة تعيد إلى تلك الشركات رشدها، نتمنى للذين يعانون من ضوضاء وضجيج إنشاءات منتصف الليل، نوماً هنيئاً وأحلاماً ''رحبة'' وسعيدة!