يحلو الشعر على الشفتين، عندما يتراقص كجناحين رفيفين، شفيفين، مبعثه خافق دافق، متسامق متناسق مع الروح وصروح الأدب·· في بلادنا الجميلة كثر الشعر الشعبي وزخر، لكنه لم يبهر ولم يعبر عن مكانة الشعر في بلادنا وتاريخها وإرثها الحضاري العتيد المجيد، ولم نزل بعد ننتظر بروز مثيل للشاعر الكبير الماجدي بن ظاهر، والخضر وسالم الجمري والكوس وغيرهم من عمالقة وأفذاذ قدموا للشعر وتقدموا به ومضوا بعيداً في وجدان الإنسان، وأسسوا للحكاية بداية مزهرة، مبهرة، ومنزلة من منازل، التفوق والتميز· لم نزل ننتظر، ولا نريد أن نختصر الزمن أو نتجاوز أبياته وخيامه ومضاربه، لكن يجوز لنا أن نتمنى بأن يبرز من بين هذا الكم الهائل من الأرقام شاعر يعيد لنا الزمان الجميل ويجمل حياتنا ويرصع أوقاتنا بقلادة شعرية تنصع على جبين الإنسان·· نحن أمة الشعر ولكن الشعر لا يأتي كما تأتي الرياح، بل هو وليد خضم من القراءة والتريث والتشرب من بيئة الذين رفدوا المكان الإماراتي بروائع ونواصع ومراتع وبدائع منحت الشعر مكانته وأعطته قدرته على التعبير عن أمنيات وآمال، ففي الحب أبدعوا يوم كان الحب مثالاً للعطاء والتفاني واخضرار الكون بأعشاب المخلصين المدنفين الصادقين·· في الوصف تميزوا وقطفوا الكلمات زهرات وباقات وأخصبوا الجمل الشعرية من صلب الانتماء للشعر وترائب الاكتواء والانضواء، تحت جنح المكان والزمان·· لم يكن الشعر في ذلك الزمان كلمات تتراكض وتلاحق القافية حتى ولو جاءت بلا معنى ولا مغزى، لم يكن الشعر مجرد أبيات يجر بعضها بعضاً، كعجلات شاحنة أرهقت بحمل وثقل· لم يكن الشعر في ذلك الزمان، إلا نتيجة لملكات تتطهر، بخبرة وعبرة· لم يكن الشعر في ذلك الزمان إلا للزمن والمكان يخصبهما بما يتجاوز حدود الذات وتكلفها وتزلفها وزيفها وحيفها ومساحيق التجيمل التي تضاف إلى القصيدة حتى تصبح كعجوز أفسدها الدهر وازدادت فساداً بتجميل الوجه ما لا يحتمله· لم يكن الشعر في ذلك الزمان شعبياً إلا لأنه خرج من جلباب الكائن البشري المحب العاشق لقبيلة الشعر وفصيلته ومخيلته الوسيعة البديعة الناهلة من شريعة الإنسان وفطرته·· لم يكن الشعر تجريداً وتجميداً وتشديداً على تخوين الكلمة وتكوينها بتنوين بلا تضمين أو تقنين بجمال الصورة وقوة تأثيرها وأدائها بإحسان ومعروف مع النفس البشرية·· لم يكن الشعر تجاوزاً للمجاز ولا إجازة مفتوحة تعطل الأداة الشعرية وتخذل طموحها وجموحها وتكسر صروحها ولا تملك إلا أن تنزح نحو هواية المذاق والسياق· لم يكن الشاعر في ذلك الزمان نثير شرارة، سرعان ما تخطفها الريح فتنطفئ في مكان ما فترويه خابية، منكفئة كأنها العدم، بل كان الشاعر جمرات تمشي بقدمين وخافقين وشطرين من بيت كنهرين دافقين يزرعان الأرض اخضراراً ويمنحان الإنسان اعتباراً وازدهاراً وإكباراً· لم يكن الشاعر في ذلك الزمان غاويا يتبعه الساهون بل كان جريدة وكتاباً وخضاباً وإخصاباً يلون المكان بحكمة الشعر ويشكل الوجدان بفطنة القريحة الندية المعطاء، ويمنح الأفق بعده وتضاريسه·· كان الشاعر التاريخ والجغرافيا وكيمياء الحياة، ونخلتها الوارفة وأجنحتها المرفرفة وسؤالها الكبير