حدثني صديق عن كلب الجيران·· فهو مزعج له ولهم، وقال إنني أشفق عليهم من كلبهم الذي يدللونه كثيراً، ويشاركهم جلساتهم وأحياناً يسهر معهم في بعض أمسياتهم، ومع ذلك فهو دائم النباح، ويضيف: لا أعرف أنواع الكلاب وسلالاتها المحترمة، ولكن كلب الجيران بالتأكيد، إنه من سلالة العواء الدائم· انتهت ملاحظة صديقي، وهنا أبدأ ملاحظاتي، فقد عرفت العرب الكلاب في أيام الجاهلية، وعرفتها الأمم الأخرى، لكن العرب بعد الإسلام، ومعهم كل المسلمين لم يقتنوا الكلاب إلا للحراسة أو الصيد· والكلب في الحراسة ''ذئب'' يمكن الاعتماد عليه، بل إن كلباً واحداً كفيل بإلحاق الهزيمة بقطيع من الذئاب!! مع أن الذئب ذو مخالب أقوى، وفك أكثر افتراساً، إلا أن شجاعة الكلب، ووفاءه لصاحبه، وقدرته على المغامرة، وعوامل قوة إضافية ترعب خصومه الذئاب، وتحول بينها وافتراس الماشية والأغنام والحلال، كذلك الكلب ماهر في القنص إذا ما أحسن تدريبه· في عطلة العيد الأخيرة، شاهدت بعض الشباب، وهم من جيلنا الجديد البواسل، وقد اصطحبوا كلابهم في رحلاتهم، مقلدين ''الخواجات'' في تقبيل الكلاب، ومداعبتها، ولعق الأيادي، والسماح للأطفال بمصادقة الكلاب واحتضانها، وأحياناً مشاركتها جلسات طويلة للعب، وإطعامها باليد، بل إن بعضهم كان يرى في تربية الكلاب نوعاً من التحضر، وأشاهد عند عادة التمشي شبه اليومي شباباً عُرباً يقودون كلابهم متنزهين متفكهين، كما لا يخفى عليكم أنا وأمثالي كثر، إن دخلنا بيتاً آمنين، ونبحنا كلبهم في غفلة أن يسلم أهله من المسبة الصامتة، أو يمكننا أن نجلس على راحتنا في مقعد مجاور لسيدة ولو كانت جميلة، وكلبها المفترس يناظر إلى مواطن اللحم فينا· يجمع الكثير على أن الكلب حيوان نجس، وتربيته خاصة في البيوت الصغيرة، والشقق السكنية الضيقة خروج عن المألوف، وعن الصحة العامة، ولقد جاء في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ''من اقتنى كلباً، إلا كلب ماشيته، أو ضارباً ''قناصاً''، نقص من عمله كل يوم قيراطان''· مسلم: كتاب المساقاة، والبخاري: كتاب الذبائح· وبذلك، يسمح باستخدام الكلاب واقتنائها فقط في موضوعي الحراسة، والقنص، وليس في الوجاهة، كما يظن بعض الناس أو التحضر الجديد، اقتداء بالأوروبيين· ويقول بعض العلماء إن الملائكة تنفر من البيوت التي تقتني الكلاب، ويكفي أنها تشكل إزعاجاً، وترويعاً للناس، كما أنها تنجس الأواني، حتى يحتاج الإناء إلى غسله سبع مرات بالماء وواحدة بالتراب ليبلغ الطهارة· أما من الناحية الطبية، فيقول الأطباء إن الكلاب تنقل أمراض الحساسية الجلدية والدودة الشريطية، والحصبة والربو عند الأطفال· أما الخواجات فهم وشأنهم مع كلابهم، فبلدية باريس تصرف الملايين من اليورو من أجل تتبع الكلاب وتنظيف مخلفاتها، رغم أنها تجبر الفرنسي على أن يحمل معه أكياس نايلون لجمع سلح كلبه، وذكر شاعر متفكه مرة حادثة، أنه طلب مساعدة من إحدى الشابات الهولنديات وقد استوقفها، وبرفقتها كلبها المدلل، ليسألها عن موقع بلدية امستردام، فلم تستطع أن تدله بالكلمات، ثم رسمت له الطريق، وأشارت عليه بالسير يميناً وشمالاً، ولما أدركت أنه لم يستوعب الإشارات، أخذت تبكي، فاعتذر لها ظناً منه أنها تبكي لعدم تمكنها من أفادته، لكنها قالت له: لا ما عليك أنا أبكي لأن الوقت المخصص للتمشي مع كلبي انقضى، وضاع على الكلب دلاله اليومي، وهو وزر لا يمكنها احتماله