بعض المغاسل تعشق الهواء الطلق فتطلق العنان لعمالها لنشر ملابس الزبائن في الخلاء وعلى أغصان الشجر المجاور لهذه المغاسل· نظرة واحدة لهذا المشهد الكوميدي الساخر يبعث في النفس مرارة ويشيع استفزازاً يحرق الدم واللحم والعظم· لماذا هذه السخرية من الواقع، ولماذا الاستخفاف بقيمة بلادنا الجميلة والاستهزاء بنظافتها، والاستهتار بتعب الذين نظموا ورتبوا وشذبوا وهذبوا الأرض من أجل سعادة الناس وامتاع أنظارهم بما يخلب اللب ويسعد الروح·؟ تصرفات لا مبالية ومخزية ومقززة ومقرفة يقوم بها من لا يعرف معنى للجمال ولا قيمة للمال الذي يصرف من أجل بيئة نظيفة وحياة شغيفة لا تشوبها شائبة مختل ولا تشوهها شائهة معتل· والذين يتجاوزون القوانين والنظم وينحازون إلى الفوضى والإخلال بالقيم، هؤلاء شريحة أخذت على نفسها عهداً ألا تراعي نظاما، ولا تحترم قانونا، ولا تتوافق مع هذا التنسيق الأنيق الذي تتمتع به عاصمتنا الوسيمة الحليمة المتشحة بمعالم النهضة الناضجة تطوراً ورقباً· الذين يخالفون ناموس الجمال أناس تشوهت نفوسهم وتقرحت صدورهم وغشيت عيونهم وعميت بصيرتهم وصمت آذانهم فهم يعيشون في وادٍ وبلادنا تسير في وادٍ لذلك يحتاج الأمر إلى ملاحقة الأيدي المتسلقة أغصان الشجر والمفرودة تحدياً لقيم الجمال ورصدهم، ومراقبتهم ومعاقبتهم لأنه من أمن العقوبة أساء الأدب وهؤلاء يفعلون ما هو مخالف وما هو مكلف وما يكبد البلاد والعباد، خسائر مادية ومعنوية· فانتشار مثل هذه المغاسل مشمولة بتصرفات أصحابها المشينة له، لهو سبة في جبين كل من يرى هذا العيب ويدعه يمضي بلا عقاب ولا حساب· الذين يمارسون هذه التصرفات، وجدوا التساهل وشعروا بالتغافل فبالغوا في الانحراف والإسراف في تشويه الأماكن العامة، واحتلال الشوارع وما جاورها من أشجار ليجعلوها محطات لنشر غسيلهم وبذر رذيلهم متباهين بما يفعلون، لأنهم لم يجدوا الردع ولا المنع ولا من يرأب هذا الصدع· هؤلاء في حقيقة الأمر يسخرون منا ومن بلادنا وينكرون النعم التي هم جاءوا من أجل اغتنائها، هؤلاء لا يحبوننا ولا يحبون بلادنا· فلا يفعل هذه الرذائل إلا كل كاره للمكان، ناقم على أهله، جاهل بقيمة النعمة· هذه التصرفات إضرار مباشر وتخريب للمكان وتهريب لمعاني جماله وحسن خصاله وتعذيب لكل إنسان محب للمكان صادق متوائم على نفسه ومحيطه· هذه الأفعال المسيئة مؤذية للمشاعر، مخربة لكل ما شُيِّد وعُمِّر على مدى عقود من الزمن فلا يجب أن ندع الأيدي الشريرة تعبث بمكاننا ولا أن نتركها تعيث فساداً بالمشهد الحضاري الذي تمتعت به بلادنا، وصارت علامة من علامات النهوض الرزين الرصين· نحب بلادنا ونحب كل من يحفظ ود هذه الأرض الطيبة، ونكره كل من يتخذ من أغصانها الخضراء حبالاً لغسيله القذر