أكثر من سيدة دخلت بيتها فوجدته يعج بالآسيويين، عائلة هندية تحتل بيت جارتنا حين كنّا نسكن في الشعبية القديمة، بدأ الأمر بخادمة شابة أقنعت سيدتها بأن زوجها يصلح سائقاً للمنزل وبأنها ستمكث عندها طويلاً إذا أحضرت زوجها، شيء من الترغيب المبطن بالابتزاز دفع المواطنة العجوز والوحيدة للموافقة، فجاء الزوج بعد ذلك بسنوات، كبرت عائلة الخادمة، صار لها ثلاثة أبناء، أقنعت سيدتها مرة أخرى بأن الإنفاق على تعليمهم باب خير لن يضيع عند الله، وكان ما أرادته الخادمة·· فيما بعد جاءت أختها وزوجها ولا أدري مَنْ من قريتها أيضاً!! عائلة باكستانية أخرى تشارك تلك العجوز بيتها وحياتها ورزقها، يسكنون في غرف البيت الشعبي، الابن الصغير ينام على سرير العجوز بعد أن أسمته على اسم أبيها، بينما اقتطعت المرأة جزءاً من بيتها وأعطته لعائلة أخرى من باب أنهم يؤنسونها ولا يتركونها إلا ساعة تذهب للنوم، ولولاهم لكانت في استراحة الشواب تصارع الوحدة والزهايمر!! أما ذلك السائق البنغالي، فلا يكاد يفارق ذلك الرجل الطاعن في السن، كان سائقاً فيما مضى منذ 20 عاماً، أما اليوم فهو السائق والممرض والسكرتير ووكيل الأعمال، هو الذي يجمع الإيجارات ويودعها في حساب الشيبه في البنك، وهو الذي يسامره، وفي أكثر من مرة وجدتهما يجلسان على شاطئ بحيرة الممزر يفترشان الأرض ويتسامران كالأصدقاء وبينهما تدور فناجين القهوة واستكانات الشاي!! ولطالما استوقفني هذا المشهد فأتساءل: ألا يوجد لهذا الرجل أبناء يملأون وحدته ويدخلون على قلبه شيئاً يسيراً من البهجة؟ ثم أقول لو كان له أبناء حقاً ما كان هنا بصحبة السائق، لكن لِمَ لا، لِمَ لا يكون هذا الرجل وتلك العجوز قد قررا عدم السقوط في الصمت والكآبة وأنهما قد وجدا ضالتهما في هؤلاء الفقراء المحتاجين للمأوى والمال؟ لِمَ لا يشتريان فرحهما بالمال والهبات؟ تبدو الحياة أحياناً في بعض جوانبها وكأنها صفقة بين طرفين، شيء يشبه المقايضة، ذاك يدفع وهذا يستفيد، لا شيء يحصل بلا مقابل أو بطريق المصادفة، فهؤلاء الأشخاص الذين يتغاضون عن سيطرة هؤلاء الخدم أو السائقين على مجريات حياتهم لا يفعلون ذلك غباءً أو مصادفة، إنهم وبطريقة عاقدي الصفقات يحسبونها جيداً، فشيء من الضوضاء ضروري جداً حين تصبح الوحدة قدراً قاتلاً، حين يهجرنا الأبناء وينسانا الأصدقاء وينشغل الجميع كل بما لديه، وكذلك شيء من الفرح والترويح والتنزه وتبادل الحديث والحياة مع أشخاص آخرين أكثر من ضروري في مرحلة من مراحل العمر، إنه يوازي كل العمر خاصة والعمر يودع العمر اذناً بالأفول، هنا لا يعود للمال أو الممتلكات أي قيمة، في هذا الوقت يصبح الخلاص من كابوس الوحدة هو الصفقة الرابحة على الإطلاق، هنا يصير شراء الفرح مخرجاً وحلاً وحيداً لهؤلاء·· وهنا نصير جميعاً أمام مسؤولية اجتماعية كبيرة لا أحد منا يشعر بمدى تقصيره فيها، لكننا سنعلم بعد فوات الأوان كعادتنا دائماً!! ayya-222@hotmail.com