لم يشعر الإنسان بفرح طاغ حين يفعل الخير؟ أو حتى حين يسمع أن فلاناً فعل خيراً؟ أو أن حاجة إنسان قضيت من قبل وجوه الخير، لما للخير وجه حلو، وصاف كماء المزن، وله ظل من سعادة وحبور ترافقه دائماً؟ يزهو به الإنسان، يشعر بماء من ثلج وبَرَد يمطره، ويغسل الأرض، يشعر بنسمة باردة تهب تحت جناحيه، وأنه بخفة طائر جميل من طيور الجنة، يشعر أن الدنيا لا تسعه، وأن ورودها أكثر، وألوانها أبهج، لماذا تفعل فينا كلمة الخير، وعملها، كل هذه الأشياء التي تسر النفس، وتمدك بروح الحياة؟ هكذا تعود أهل الإمارات وناسها الطيبون، وهكذا كانت حياتهم، وهو إرث ممتد من عروبة صافية، وقيم دين نبيل، كان العربي قديماً يجهد حصانه لكي يصل صديقاً منقطعاً، أو جاراً ملهوفاً، أو عزيز قوم ذل، يطوي الصحراء ليضع صرة فيها كل ماله وحلاله عند عتبة بيت لايعرفه، ولا يعرف أهله، كل الذي يعرفه أنهم بحاجة، والحاجة قتّالة، دونها كرم النفوس، وعلو الأنوف، وانكسار العين· يرجع ذلك العربي بعد أن يصبح نعته منذ ذلك اليوم ''جابر عثرات الكرام'' نفس هذا العربي، أو أخوه الذي يشبهه هنا·· أو هناك، لايطفئ ناره، لأنها تهدي الضيف في ظلمات الرمل وفضاءات الصحراء، كلابه لا تتوقف من النباح لورود الخطّار وعابري السبيل على خيمته أو مستقره، قد يجود العربي بناقته أو فرسه، رفيقة دربه ومسراه إن قصده ضيف، أو لفاه خاطر، يجعلها قرى لهم، ولا يخالطهم في أكلهم، لكيلا تغزر عيناه في مأكلهم· جاء الإسلام فأكبر في العرب هذه الخصال حتى عدّها من نبل الرسالة، وعلو شأنها، حتى غدت قصعة الأكل تحوم من بيت إلى بيت، حتى وصلت إلى بيت أبي الحسن والحسين وفاطمة الزهراء الذي خرجت منه إلى جاره القريب، والكل يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة· وفي المجتمع المحلي كان نعت ''أخو شما'' مما يتواصف به الرجال، ويتفاخر به القوم، لأن ''أخو شما'' لا يسمح لأخ أن ينكسر، أو جار أن يضام، أو صاحبة خِدر وستر أن تجرح، أو يلحق بها عار أو شنار، هو عون لكل الناس، سدّاد، حلاّل، خدّام للجميع· لما نقول كل هذا الكلام الآن؟ نقوله لأن حال العرب المخلصين، والمسلمين المتنورين، ممن أضناهم الوضع، وما آلت إليه الأمور في العالم، فالكل يكيل للعروبة المساوئ، ويرمي الإسلام بالقبح، وما يلحق بالعروبة والإسلام يسري على المنتسبين لهما ظهراً وبطناً، وكأن المطلوب من هؤلاء المستنيرين أن يعلنوا براءتهم من العروبة هويتهم، ومن الإسلام رسالتهم، لأن آخرين يشوهون العروبة، ويحرفون الإسلام بتصرفاتهم غير المسؤولة، وغير المتحضرة، ويفتحون أبواباً كبيرة لطعنهما، وخيانتهما من الداخل والخارج· لذا أعتقد أنه في وقت الانهزامات، ووقت الخرائب، ووقت تحطيم المجتمعات وتفجيرها من الداخل، لابد أن نرتكن إلى القيم النبيلة في الشخصية العربية والإسلامية، وأن لا نجعل دعاة الظلام والتكفير أن يتصدروا عناوين حضارتنا وفكرها الذي قادت به الأمم يوماً ما، ونوّرت طريق كثير من الحضارات الإنسانية·· ولأنهم كانوا وجوهاً مشرقة بالخير، وفعل الخير على الدوام، وفي كل مكان وصلت إليه خيولهم المطهمة بالنصر