أكد المفكر الفرنسي شار سان برو مدير معهد الدراسات الجيوسياسية في باريس أن الصراع الدائر الآن في العالم، هو صراع سياسي بصبغة دينية تحيكُه دوائر متطرفة في الجانبين الإسلامي والمسيحي ولا علاقة له بالإسلام أو المسيحية·· كلام جميل، وضع الإصبع على الجرح، وأوضح وأفصح عن حقيقة غيّبت بفعل فاعل تقديره ''الجانبين''، وقد استفادت جماعات وفئات من اللغط العالمي والشطط الذي رمد العيون وكبد الشجون ماكبد، واستطاعت هذه الفئات أن تروج وتهوج وتهرج وتمرج وتسوق وتمرق في نزق واستهزاء بكل القيم، وتضع الديانتين الإسلامية والمسيحية في مأزق محدق، ومرهق، كما استطاعت أن تشتت جهد الحضارتين وتفتت الأوصال والآمال، والمفاصل والفواصل، وتضع الرقاب على المفاصل تحت ذرائع واهية، وحجج ساذجة لم يصدقها إلا كل من فقد عقله ونامت مشاعره تحت سنابك العصبية والشوفينية والمفارق الجهنمية· فالإسلام وكل الأديان معه، رسائل سلام ووئام وانسجام ومحبة للإنسان بكل أعراقه وأجناسه وأصنافه وألوانه·· فالأرض واحدة والسماء واحدة، وجميعنا نمتطي الأرض عرضاً وطولاً، ونلتحف بالسماء سقفاً، وعيناً ترى، وأذناً تسمع، وفماً ترشفه الفضاءات العلا بالرذاذ العِذاب لكن شذاذ الآفاق، ومحتسي العلم من جماجم صوته، أرادوا غير ذلك، فصالوا وجالوا وأهالوا التراب على المعرفة الحقة للدين، وصاروا يلعقون غباراً ونثاراً، فاندثروا واغبروا، وجاروا وساروا وساوروا بكل فجاجة وغلظة وفظاظة يغيرون من تعاليم الأديان ويعبثون بمفاهيم الإنسان ويهتكون ويفتكون ويسفكون ويهرقون الدماء البشرية بالمجان دون أي وازع، أو مانع، أو رادع من ضمير، فهؤلاء تجمدت مشاعرهم وخمدت أحاسيسهم وتشربوا من الغي السياسي حتى تورمت وتضخمت أذهانهم وشارفوا على نهج الكائنات غير الإنسانية· المفكر الفرنسي قال الكلمة الفصل، ووضع يده على المفصل، ولعل المعالجة تكون هكذا من قبل من يعنيهم الأمر، فلا مجال اليوم للتهرب والتسرب من الحقيقة والعمل بجدية، والطموح أمر واجب على الجانبين من قبل المفكرين والدارسين ورجال الدين، هؤلاء تقع على عاتقهم مسؤولية التصدي للكذب والافتراء، والازدراء والاستهزاء بالأديان، هؤلاء عليهم الخروج عن الصمت والحيادية السلبية والتي هي السبب الرئيسي في تفشي ظاهرة كظاهرة التطرف، فعندئذ تصمت الحقيقة وتلوذ بالسكون، فلابد أن يعلو الزبد ولابد أن تتحرك الفقاعات لتثير ضجيجها، وعجيجها، الأمر الذي يجعلنا نطالب كل من له عقل وضمير حي بألا يقف مكتوف الأيدي، وألا يخالجه الشك أبداً بأن ما يجري على الساحة العالمية هو بصمة سياسية أراد لها المتطرف الأحمق أن تتزمل برداء الدين لكسب المشاعر وجذب المساعر باتجاه التخريب وتهريب القضايا إلى مكان غير مكانها· نحن بحاجة اليوم إلى الأوفياء والنجباء العارفين الغارفين من أصول الأديان جميعاً، بأن يقولوا كلمتهم وألا تأخذهم لومة لائم في قول كلمة الحق·· فمصائر الشعوب مهددة ومقدراتهم تحت حد السيف والحيف، والأمطار الحمضية التي يزفها المتطرفون من الجانبين، نحن بحاجة إلى وقفة مخلصة وصادقة تزيح عن كاهلها هذا السراب وهذا الضباب، وهذا الذباب المتسرب من مواسير الجهل والحقد، والكراهية لكل ما هو ناصع وجميل·· نحن بحاجة إلى هذا التوضيح والفرز أيضاً بين الحماقة واللباقة·· نحن بحاجة إلى التسليم بمنطق أن ديننا الحنيف خاتم الأديان وأنه الدين الواصل المتواصل بحبل الود والعروة الوثقى مع الأديان الأخرى·