عالم السيارات هواية مكلفة، مثلها مثل هوايات كثيرة يبتلى بها الإنسان، وهو عالم بدأ صغيراً وبدائياً، لكنه اليوم أصبح كبيراً، ومتسع الأرجاء، خاصة بعد أن حولته التكنولوجيا إلى شيء يشبه الخيال، ونحمد الظروف أن بعضنا ما زال يتمسك بسياراته العجائز، لأنها الأسهل في التعامل، ولأن العجوز ليس من أخذها، ولكن من استطاع الفكاك منها، وحدها الظروف جعلتني أزور معرضاً للسيارات الجديدة التي غدت كالطائرات، ليس بمقدور الجميع أن يعرفوا التعامل معها بسهولة، خاصة وأننا من فئة الكارهين لقراءة الكتالوجات، فكيف إذا كانت باللغة الألمانية التي لا يفيد فيها التعلم في خمسة أيام وبسهولة، ومن غير معلم، هذا اليوم·· أما بعد سنوات ليست بالطويلة، فيجب على السائق أن يدخل في دورة تدريبية، يتعلم فيها القيادة العادية، والقيادة الآلية، وكيف يمكن أن يجّنح بها في الفضاء إن استدعت الضرورة، أو يهبط بها من عل، أو يمكن أن يطويها ويحولها إلى عربة صغيرة في أماكن الازدحام، هذه التقنية العالية، ستحول طلب رخصة السوق، والحصول التقليدي على ''الليسن'' إلى امتحانات وفحوصات على كيفية التعامل مع الكمبيوتر، وطرق برمجة السيارة، وكيفية إصلاحها إلكترونياً بالتعامل مباشرة مع الورشة الأم المرتبطة بأجهزة سياراتها المصنعة، وإذا كان البتاني اليوم يحصل على الرخصة بعد 42 ''تراي'' فغداً ربما لا يراها بعينه، أما المدرسون الذين يحملون رخص السواقة من بلدانهم، ويحبون أن يغيروها، ويطلبون واسطة طلبتهم في هذا الخصوص، فسيكون دونها خرط القتاد، ستختفي المفاتيح، وسيستعاض بدلاً منها منبهات اللمس والبصمة ونبرة الصوت، وستختفي كل تلك الأجهزة المتوثبة أمامك، والعدادات التقليدية، لتكون لوحة واحدة، وأزراراً كثيرة، وسيقود الإنسان في المستقبل شقة صغيرة، بدلاً من السيارة العادية، لأنها توفر له الهاتف المرتبط بالأقمار الصناعية، ودليل الطرق وأقصرها إلى الهدف، إلى جانب وسائل الترفيه من راديو ومسجل وقارئ الأقراص المدمجة، والتلفزيون والفيديو والثلاجة، والمقعد المريح الهزاز، والذي يتحول بلمسة زر، أو بإعطائه أمراً صوتياً إلى سرير وثير، أما القيادة فهي مبرمجة ومثبتة السرعات، وكاميراتها الخفية تجنبك الاصطدام، أو الحيدة عن الطريق المستقيم، ويمكن أن تسير السيارة بلا وقود، مكتفية بزجاجات مياه معدنية قليلة، أو تسير بالكهرباء التي تتولد تلقائياً، بحيث تميز صاحبها من سارقها· خلال الزيارة الخاطفة للمعرض، التي لم تكن بقصد الشراء، ولكن للفرجة، ولإطفاء حريق الفضول، تذكرت سيارات العهد القديم، كيف كان السائق أو المعيوني، ينهض منذ الفجر الباكر، ويضرب ذاك ''الهندل'' حتى تتولد شرارة الاشتعال، وتظل السيارة تشتغل حتى تحر، ليستطيع السير بها، أما سيارات مكائن الديزل، فتظل تتعتع، وتقطع حتى تخرج من سكة الحارة، وتسمع صوت مبدل الحركة وهو ينخشع مثل الكاروب، ساعتها تقول تسهل الرجل، غير أنك لا تعرف متى سيصل، فربما غرزت في تلك الرمال الناعمة، وربما استعمل ''الدقمة والدبل'' لكي تخرج من ورطتها، وربما سخنت ماكينتها، فيريحها تحت ظليل شجرة، أو يفتح غطاءها لكي تبرد، وربما يرشها بالماء لكي تهدأ ثائرتها، لقد غابت تلك السيارات التي كانت تجلب الدوخة ولواع الكبد لراكباتها من النساء، الآن العجائز يركبن ''لكزس''، غابت البسطة، والجيب أبو حاجب، أو الوسط، واختفى المغني المتغني بـ''الأمـــــبريل أخضر''، و''الشفـــــرليت''، و''الـــــدوج'' و الـ''دان دان'' المتبادي من جسر المقطع ودون، غابت سيارات الشباب: الـ''جي تي، أر إكس ،7 زد''، مثلما غابت تلك الكشيش، وحطة العقال المنكوس·