لو أن الأزمة المالية التي حدثت في أميركا، وتصدّع لها العالم، حدثت عندنا، فيمكن أن لا ندري عنها حتى تسيل المياه تحت أقدامنا، وتنقطع السيولة، وساعتها فقط يمكن أن نصدق ما تناقلته الوكالات الأجنبية قبل أشهر، عاطين الأذن الصمخاء لأول مرة لكل الأقاويل التي كانت كلها تصفها أنها وكالات مغرضة، وأننا مستهدفون من الآلة الإعلامية الغربية، والقاطرة الاقتصادية التي يديرها اليهود أو تدار بأيد صهيونية! ستتنبه الصحف الناطقة بالإنجليزية عندنا، وستتناول الخبر، ويمكن أن تعلق عليه بما في اللغة الإنجليزية من شفافية، خارج حروف التنغيم والمداهنة العربية، أما صحفنا الناطقة بالعربية، فلن تنهض من غفوتها إلا بعد أن تنتهي من الدوري العام، وإخفاقات المنتخب الوطني، وستبدأ بوضع خبر الأزمة في طرف الصحفات الأولى، وكل يومين يكبر الخبر في رأسها، في حين هو أصبح كارثياً في صحف الغرب· ولما تقع الفأس في الرأس سيحتل الخبر الأسود عناوين صحفنا البيضاء، وكلها تندب وتولول كردة فعل لما أصاب اقتصادنا، وخربط مشاريعنا البنّاءة، وستحاول وسائلنا الإعلامية أن تتبارى في استقطاب المعلقين الذين ذاكروا الأزمة من مقعد الطائرة التي أقلتهم على درجاتها الأولى على حساب المؤسسات الإعلامية عندنا، وستدور رحى معارك وهمية لن نخرج منها منتصرين، فغير الهذر اللغوي الزائد، بعيداً عن الأرقام والاحصائيات، وتقديم الحلول الآنية، والحلول المستقبلية، والتفكير بنمط اقتصادي جديد ومختلف، لن تجد، غير تمنيات أن يزيل الله الغمة عن الأمة · ولأن الخبر الاقتصادي لا يمكن أن يدفن مثل الخبر السياسي، فتداعياته سرعان ما تظهر للعلن، ويكون اللي فلّس، فلّس، والذي تدراك حلاله، تداركه وخرّجه خارج البلد، تحركت صحفنا العربية متأخرة، وعلى غير هدى، ولولا أن الأزمة أميركية في الأساس، ولها تبعات أوروبية، حيث الأمور عندهم واضحة، ولا داع للتكتم، وطمس الحقيقة، لأن الجميع مسؤول، والجميع متأثر، بعضهم قدر أن يعد خساراته، وبعضهم الآخر أعلن إفلاسه، لما تعاملت صحفنا مع الخبر ببعده العالمي، مغيبة بعده المحلي كعادتها، لأنه لا يوجد تصريح من مصدر موثوق، أو رفيع المستوى، فكان الحذر والحيطة، رغم أن النيران كانت تلتهم كل الغابات· بادرت الحكومة وأعلنت موقفاً مسؤولاً ووطنياً، دافعة بثقلها، ومقدمة دعمها، للبنوك والمؤسسات المالية والسوق المحلية، منعاً لأي بلبلة أو شكوك أو مخاوف لهروب رأس المال الجبان، أو ضعضعة الاقتصاد في الإمارات، وهي خطوة مشكورة ومحمودة، وعلى الجميع تقديرها، ومعرفة قيمتها الحقيقية، خاصة القطاع الخاص الذي يحب أن يأكل ولا يقاسم أو يغرم· بعد التدخل الحكومي ذاك، انطلقت صحفنا العربية المحلية مشيدة بتلك الخطوة، وتوقيتها، وأهميتها، متناسية البحث في عمق الأشياء، وسبر الآفاق، وطرق تجنب مثل تلك الأزمة مستقبلاً، حتى أن بعض صحفنا أعتبرت الأزمة منتهية من أساسها· نقول ذلك·· لأنها ليست أول أزمة، ولن تكون الأخيرة، وأحداث الحياة بحلوها ومرها، كبيرها وصغيرها، تحتاج إلى مكاشفة ومصارحة، لا ولولة على طارق الليل، ولا ندم على اللبن المسكوب، فالإنسان العاقل لا يحتاج إلى بناء خندق ليتمترس فيه، مدافعاً عن روحه، في حين رأسه وسماؤه مكشوفة بلا طاقية وقاية، ولا شبكة دفاع!!