استفاقت دمشق مؤخراً بتاريخ 2008/8/8 على صور شاعرها الراحل نزار قباني (1923 - 1998) تملأ جدران المدينة وتزين مفارقها وساحاتها، ذلك أن دمشق التي تم اختيارها من قبل الأونيسكو عاصمة ثقافية عربية للعام الجاري، رأت، وأثناء الأيام الثقافية لمعرض الكتاب أن تستعيد ذكرى شاعرها الراحل، باستعادة القصائد والكتابات التي غنى فيها دمشق، واستعادة القصائد التي غنى بها المغنون من شعره، ابتداءً من عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة انتهاءً بماجدة الرومي وأصالة وكاظم الساهر· وقد دعيت لندوة أقيمت في التاريخ نفسه (أي 2008/8/8) حول هاتين المسألتين في شعر نزار· ما هي دمشق في شعره؟ ولماذا غنى له المغنون العرب، قصائد، دون سواه من الشعراء المحدثين والمعاصرين؟ يقول الشاعر في ''القصيدة الدمشقية'': ''هذي دمشق وهذي الكأس والراح إني أحب·· وبعض الحب ذباح أنا الدمشقي لو شرحتُم جسدي لسال منه عناقيد، وتفاح··· ولو فتحتم شراييني بمديتكم سمعتم في دمي أصوات من راحوا ألا تزال بخير دار فاطـمة فالنهر مستنفر والكحل صَدّاحُ؟ إن النبيذ هنا نار معطّرة فهل عيون نساء الشام أقداحُ؟ مآذن الشام تبكي إذ تعانقني وللمآذن كالأشجار أرواحُ''· ينقص هذه القصيدة الياسمين لتكتمل العدّة المادية، للعناصر التي تكوّن كيمياء المدينة في دم الشاعر· إنها عدّة حسية، يكاد يتلقى من خلالها نزار قباني مدينته دمشق، بالحواس الخمس· ثم عدّة للمذاق: عناقيد وتفاح، وعدّة للسمع ''الكحل صداح''، وعدّة للنظر ''النهر مستنفر''، وهكذا نستطيع أن نعدّ على أصابعنا الخمسة، الحواس الخمس التي استولى بها الشاعر على مدينته· إنه شاعر ظاهري غير باطني، حسي ومادي غير تجريدي ولا ميتافيزيقي، لذيّ متعيّ، غير درامي وغير مشغول بالموت· وهو الذي علمته دمشق ''أبجدية الياسمين'' (كما قال في وصيته الأخيرة في آذار 1923)، يرى إلى ياسمين دمشق وقد ذاب في دمه وصار داخلياً· أما سر إقبال المغنين على غناء أشعار نزار قباني دون أشعار سواه من الشعراء العرب المعاصرين، فقائم في عدة أسباب أولها أنه كان من دون جميع شعراء الحداثة، واضحاً في شعره، ميسراً، نابذاً للغموض الذي شغف به الحداثيون، محافظاً على موسيقى الشعر وأوزانه القديمة والمتطورة، فكانت أبياته ملحنة بذاتها وأوزانها من دون تلحين· أما أهم أسباب شيوعه وانتشاره، فموضوعاته التي تناولها في الحب وعلاقات الرجل بالمرأة، اليومية، والمتداولة، وتلك الموضوعات الحاضرة والحارة في السياسة، بلغة وسطية بين الفصحى والعامية، سماها هو اللغة الثالثة، وكانت جواز مروره للناس مثلما هي جواز مروره للمغنين والملحنين