أبوظبي عاصمة الإمارات، ساحة مفتوحة، منفوحة بالحب لحضارات وثقافات وأفكار وأخبار وأنهار تجري سيولها على أرض منحها الله فطرة البوح السليم ونبرة الصدح القويم، وبلا تكلف تمضي الحياة الثقافية في مجراها ومسراها الطبيعي وتسرج الخيول باتجاهها، وتخب النوق نحوها في اشتياق العشاق إلى قصيدة رائعة ناصعة طوّقت عنق المكان، وحدق باتجاه الإنسان في زمان ومكان، ولا مبالغة أن نقول إن عاصمتنا اليوم هي المنارة، النجمة السيّارة في فضاء منشرح على العالم بلا رتوش أو خدوش، بل هي الطبيعة والجبلة الأولى لهذا البلد الذي وضع على عاتقه مسؤولية التلاقي والتساقي مع الدنيا شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً متأزراً بعروة التسامي والتسامح والتلاقح مع ثقافة الآخر بندية وثقة· هذه عاصمتنا الجميلة الأصيلة، خميلة تتفيأ تحت ظلالها خيول وزمول، وتفرد على أغصانها طيور الهوى اليافعات الشاديات بفن ولحن وشجن·· فعندما تجتمع عشرون دولة على أرض الإمارات لتسن مشروعاً إنسانياً رهيفاً أهيف، ينثر البياض على رياض أبوظبي، إنما هي دعوة سامية متسامية تزوغ عن كاهل أهل الدنيا هموماً وسقوماً وغيوماً، وتفتح نافذة للحلم لكي يشرق ويبرق ويحدق بعين الأمل من مقل لا تغشاها غاشية ولا تحيق بها شائنة· هذا السعد، وهذا الوعد، وهذا العهد، وهذا المد، وهذا الجد، جاء من فصول وأصول، وهطول الذين آمنوا بأن الحب نهر وبحر وفخر وعز واعتزاز لمن يريد الحياة نقية شفية عفية، من شوائب وخرائب وعواقب ونواكب حياة ترسم للناس جميعاً لوحة تشكيلية منمنمة فسيفساء القلوب الخضراء والأيادي السمراء· حياة بلا إغواء ولا أهواء ولا أنواء ولا أرزاء، بل هي احتواء للشوق، وانضواء يتوق نحو الكون المفتوح للساريات السابحات في فضائه·· حياة لا تفرق ولا تغرق ولا تهرق ولا ترهق ولا تسحق الجهد الإنساني تحت سنابك النزعات والفزعات الذاتية، المريضة المخلة بآداب وأخلاق الكيان البشري· عاصمتنا اليوم تلقى درساً للعالم في أصول التعاطي مع الفن وثقافته القشيبة والرحيبة، والخصيبة، درس متعافٍ ومتنافٍ من دونية الإحساس، وعقد الخوف من التواصل مع الأطراف والمراكز والأجزاء والمفاصل·· عاصمتنا اليوم تمضي بخطوات حثيثة تبث عطرها وتصرح بخيرها بشفافية وأريحية وحميمية ويتلقاها الآخر بثقة لا فيها مواربة ولا تورية· عاصمتنا اليوم، تعانق المجد الثقافي بيد ممدودة إلى الجميع، وعين مثمودة برود الحلم وفم مصفود بخير الكلم، وقلب شديد المراس لا يخضه وهم ولا يرضه غم·· عاصمتنا مبهرة اليوم في عطائها مدهشة في سخائها وعين العالم عدسة تسجل التاريخ بحروف من ذهب لمَنْ وهب، ومن سكب، ومن جلب القصائد مرصعة بلون دماء الذهب على أرض الإمارات إمارات الخير، وحسن الخبر على كل لسان ينطق بالحقيقة، ويفوه بالمنطق بلا هرطقة أو زندقة·· عاصمتنا اليوم ترخي جناح المحبة على رموش ومثل وتسهب في الفضيلة من أجل الناس بأعراقهم وأطيافهم وأصنافهم وعقائدهم ومشاربهم·· عاصمتنا هي ومضة النور، وبصيص الضياء الذي يراه العالم من خلال جنح ليله الدامس العابس البائس، هي شعلة البداية وأصل الحكاية في بحث الإنسان عن غده المشرق المتألق بالنور والسلام