صفية خاتون·· من منكم يعرفها؟ إنها والدة المصرفي البنغالي الكبير محمد يونس الذي سخر ماله وعلمه وجهده لمساعدة وإقراض الفقراء في بنجلاديش·· وهو الذي فاز بجائزة نوبل للسلام·· هذه المرأة كانت لا ترد سائلاً يقف ببابها·· إنها الأم التي غرست في وجدان محمد يونس حب الخير والشعور بالآخر منذ كان طفلاً يترعرع في بيت والده تاجر الذهب الباكستاني الغني الذي أخذ على نفسه توفير كل الظروف المواتية لأبنائه ليحظوا بأرقى مستويات التعليم· يعتقد الكثيرون بأن جائزة نوبل للسلام التي منحت ليونس كانت يجب أن تمنح لوالدته السيدة صفية·· ولقد لفت نظري كثيراً تحليله الأخير للأزمة المالية الضاربة في عصب النظام المالي العالمي، فعدت إلى سيرة حياة الرجل باحثة عن سر اهتمامه بالفقراء حتى سمي نصير الفقراء في بنجلاديش، إن هذا الاهتمام والحس الإنساني المفرط في تماهيه مع قضايا الفقراء يرتبط ويعود بجذوره الأولى إلى والدة محمد التي كان لها أعظم الأثر في تكوين شخصيته، وتدريبه على ممارسة الإحساس قبل الإحسان للفقراء! لقد أدلى المصرفي البنجلاديشي منذ أيام بحديث مطول لمجلة ديرشبيجل الألمانية عزا فيه هذه الأزمة المالية الطاحنة لجشع الأغنياء ورغبتهم في تكوين إمبراطورياتهم على حساب الفقراء وعلى حساب أخلاقيات وآليات السوق، ومع أنه مع البقاء والحفاظ على النظام الرأسمالي إلا أنه يرى أن هذا النظام قد تم التجاوز عليه من داخله بسبب هذه المبالغة في الأصول السوقية للعقارات وغيرها على حساب أقوات الناس البسطاء·· الآن فإن هذا النظام يتهاوى والعودة إلى الربح بمعدلات معقولة بعيداً عن الجشع هو الحل· بالمشهد اليومي البائس لفقراء بنجلاديش ذهب محمد يونس إلى الولايات المتحدة ليتخصص في الاقتصاد وليعود رئيساً لهذا القسم في أعرق جامعات بلده، دون أن ينسى درس صفية الوحيد والأهم: الفقراء بعد أن تفاقمت أوضاعهم في بلاده إثر الاستقلال فمضى يحاول إقناع البنك المركزي البنغالي أو البنوك التجارية بوضع نظام لإقراض الفقراء بدون ضمانات، ما دعا رجال البنوك للسخرية منه ومن أفكاره، زاعمين أن الفقراء ليسوا أهلاً للإقراض· لكنه لم يصدقهم أبداً، لقد صدق والدته، وكان مصمماً على أن الفقراء جديرون بالاقتراض، واستطاع بعد ذلك إنشاء بنك ''جرامين'' في عام 1979 في بنجلاديش، لإقراض الفقراء بنظام القروض متناهية الصغر التي تساعدهم على القيام بأعمال بسيطة تدر عليهم دخلاً معقولاً· حكاية محمد يونس مع بنك إقراض الفقراء وجائزة نوبل مثال حي على الذين يقولون اللهم إنا نعوذ بك من عمل النساء كما قال أحد القراء، إن محمد يونس لم يخترع فكرة بنك جرامين، وإنما استقاها من صفية خاتون والدته، هكذا يجب أن نعترف، ومثل يونس كثير من العباقرة وعمالقة الحضارة الإنسانية، إن تلك المرأة التي سألها ولدها أأتزوج أم أذهب للحرب فأجابته إن تزوجت صرت كبقية الرجال ستنجب ويصير لك أحفاد وتموت كغيرك، سيذكرك أبناؤك ثم أحفادك ثم سينساك الجميع، أما في الحرب فستكون بطلاً ووحدك ستصير أسطورة وسيذكرك التاريخ· ayya-222@hotmail.com