التجسس لصالح مصالح لا تتصالح مع الأوطان أصبح أمراً مشهوداً ومحسوساً وملموساً في أكثر من دولة عربية، الأمر الذي يجعل هذه البلاد عرضة لخطر داهم وغائم وقاتم ينذر بأخطار وأمطار حمضية مخيفة·· الانتماء للوطن الأم أولاً إذا أصبح مجرد موطئ لعابر السبيل، صار مهمة قاضية ومقصية وعصية على الأمن والأمان والاستقرار، معضلة الانتماء الى اتجاهات ذات أبعاد مبهمة وغامضة تشكل داءً عضالاً يجعل من بلادنا العربية ممراً سالكاً، حالكاً ومهلكاً للسيادة على الأرض، ويؤمن مقراً دائماً للاضطراب والاحتراب، والذين يخوضون معارك اللامنتمي والمنتهي الى ساحات خارج الإطار، إنما يقفون عند حافة انهيار الهوية وأقصى حدود اللامعرفة بأهمية الانتماء كونه يشكل الحدود والسدود بين خراب الذات وعمارها·· الذين يمرون على صراط الخراب الذاتي وانهيار الأنا والولوج في دائرة المبادئ ذات الأثواب الفضفاضة والجلابيب الواسعة، إنما ينتمون الى نورانية بغيضة ظاهرها حلم وباطنها سوء علم وأداؤها التشويه والتسويف، وتجريف الكيانات الأساسية وتفريغها من معناها ومغزاها·· الذين يعيشون أحلام اليقظة والحمل الكاذب إنما يغرقون أنفسهم في بحار ضحلة ويقودون المجتمعات الى أعماق تؤمها الحيتان وأسماك القرش المتوحشة، ويدفعون بالمجتمعات الى ساحات دماء وصحراء بلا ماء، وسماء هطولها كسف وأنواء·· الذين يعتنقون اللاوطن للإنسان إلا ما يتصوره ويتخيله، إنما يمتهنون مهنة التجريف والتحريف والتزييف· الحقيقية الوطن أولاً، والأرض منبتاً ومهبطاً، ومآلاً، ولا مولى للإنسان غير مكانه وموطئ قدمه الذي منه وفيه وإليه تعود قيمه وشيمه وحلمه وعلمه وفهمه· فهذا التضخم الذاتي والتورم والتبرم والإحساس بعدمية السيادة نبتة شيطانية زرعتها فلول الناقصين والعابثين واللاهثين خلف أضغاث أحلام وشيء من كوابيس يراها النائم إثر اضطراب ذاتي وإحساس بالفقدان وخسارة في الفكرة والعبرة والخبرة· هذه المبايعات المجانية في أسواق الانتماءات الخرافية لم تنهض أعشابها الشوكية إلا في عقول ذهبت وألباب سلبت ومشاعر نهبت وأحاسيس نكبت وأفكار شوهت فسقطت في حضيض إثر حضيض· وحيال هذا الفوج المترهل، اللامتمهل والمتساهل في الرخص والنجس، واليوم النحس، ينبغي أن تكون الحملة المضادة واعية ويقظة في المواجهة وأن تكون متسلحة بأدوات النجاح للقضاء على آفة العصر ومعضلة الزمان الرديء·· فيجب أن نعترف أننا أمام أزمة أخلاق ومحنة فكر ومرحلة تمر بها الأوطان العربية والإسلامية، هي من أشد وأحلك المراحل· لذا واجب على كل صادق ومخلص أن لا يكتف اليدين، ولا يصفق الراحتين، ولا يزم الشفتين، ولا يغمض العينين، بل على الجميع أن يرفع الهامة عالية، وأن ينزع عن الرأس عقال الاسترخاء لصد ورد، والعمل بجد وكد وجهد من أجل سلامة الأوطان وحفظها من كل باغ ومعتد أثيم، باع النفس والقيم رخيصة مقابل أوهام وأحلام كاذبة شاحبة وصاحبة لا تفيد صديقا، بل تخدم عدوا· على الجميع أن يكونوا في مستوى المسؤولية دفاعاً عن شرف الانتماء وناموس الحياة الذي بني على أساس عدو وطني عدوي، حتى وإن كان من دمي ولحمي· والمتربصون كثر والمفرطون يتناسلون كالجرذان في جحور وثغور ولابد من الحذر واليقظة·· لابد من الحيطة في سبيل سلامة الأوطان وشر شيطان يعيث في الأمن والأمان·