يبدو أن بعض الأخوة المقيمين قد فهم الحديث عن هموم المواطن الاماراتي كما جاء في بعض المقالات فهماً خاطئاً بل وبعيداً عما أردنا إيصاله لمن يعنيهم الأمر، لقد ذهب بعضهم إلى اعتبار تخوفاتنا وهواجسنا تجاه ما يحصل في المجتمع بسبب خلل العامل السكاني، عنصرية ومعاداة للآخرين، بينما وصف بعضهم تحذيراتنا من استحقاقات تزايد العمالة الاجنبية في الإمارات بأنها حكم قاس على من ساهم في عملية التنمية والبناء، وذهب بعضهم إلى أقسى من ذلك حين رأى أن مواطني الامارات ليس بإمكانهم الانخراط في نوعيات معينة من العمل يرونها لا تتناسب ورفاههم المادي وانتماءاتهم القبلية والعائلية! بعيداً عن هذا الهذر، فإننا نتحدث انطلاقاً من الحرص على الوطن وسلامته وأمنه مع يقيننا بأن لهذا الوطن من يسهر على حمايته وحفظ أمنه ومتابعة ما يستجد على كل الساحات الخارجية مما يخصه ويخص من يعيش فيه، لكنه الحرص والحب يبقينا دائماً معلقين بأخص خصوصياته· إن الحديث عن هذه المخاطر والتداعيات التي نعايشها يومياً وتلك التي نعلم أننا سنواجهها مستقبلاً، ليس عنصرية ولا عدائية ضد أحد، فلماذا تفهم على هذا الأساس؟ لقد فتح حديث الخلل في التركيبة السكانية في ألمانيا ذات التعداد السكاني الذي يتجاوز الـ 85 مليون إنسان والذي لا يشكل الأجانب أكثر من 5% فيه، ولم يتهم أحد الجماعات المدافعة عن هوية المجتمع الألماني بالعدائية أو العنصرية، هذا مع العلم أن الفارق شاسع جداً بين أجانب يشكلون 5% وبين أجانب عندنا يشكلون 85%، وهاهم الإنجليز يصرخون بكل قواهم متهمين الهنود والباكستانيين والبنغلاديشيين بأنهم يخربون تركيبة مجتمعهم ومنظومة قيمهم بتقاليدهم المستوردة والمتخلفة حسب تعبيرات الانجليز أنفسهم· وبنفس التعبيرات يتحدث الفرنسيون وسكان باريس تحديداً عن جموع مهاجري أفريقيا من العرب وغير العرب·· إذن هي حالة عالمية وليست حالة إماراتية فقط! لقد تجاوزت بعض الشعوب عن كثير من حقوقها في الحفاظ على نقاء تقاليدها ومنظوماتها القيمية بحجة التلاقح الحضاري والتمازج وتفاهم الحضارات وحتى لا تشهر في الوجوه تهمة العنصرية ومعاداة الآخرين، ولكي تسير عجلة التنمية واقتصادات السوق ومشاريع الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال والعقول والأيدي العاملة، لكن هذا التجاوز والتهاون أو السكوت عن تداعيات ذلك لم يثمر سوى كثير من الأزمات والصدامات والعنصرية، وتخريب قيم وتقاليد مجتمعات كانت فيما مضى في قمة التحضر والرقي والانضباط! فإذا أيقنا بأنه ليس أمامنا سوى أن ندفع ضريبة التنمية السريعة، فليكن بأقل قدر من الخسائر إن أمكننا ذلك، ليكن بالتحريض على قرارات تقنن وجود هذه العمالة وتضبط سلوكياتها، ليكن بفضح هذه السلوكيات ورفضها، ليكن بممارسة الحق في قبول الجيد والاعتراض على السيئ، وفي كل ذلك نحن نحاول أن نحفظ وجودنا، دون أن نخطئ في حق أحد مطلقاً، ودون أن ننكر دور الكثيرين من عرب وأجانب في كل هذه النهضة التي ننعم بها، لكن هذا الاعتراف شيء وقضية القبض على هويتنا ولغتنا وقيمنا وحياتنا كلها شيء آخر! ayya-222@hotmail.com