صارت عادة المواطنات إذا ما صادفن مواطناً، ارتبكن، وضربن بالغشوة، وتلايمن في عباءاتهن، وصحن بنفس واحد ''ويدي·· ويدي·· مواطن أتغشنّ'' وكأن هذا المواطن طهف وهبّ فجأة، أما الرجال الذين يسمونهم ''غربتيّه'' فكأن هؤلاء لا ''ينقضون'' عليهن، أو من المحارم، هذه الازدواجية لا أعرف من ثبتها في الأذهان، ولا نخصص هنا، فالمتعلمة مثل غيرها، حتى ذهلت مرة من طبيبات مواطنات يتهربن من الكشف على مواطن، وكأنه مُشعِر أو مَشعور، ويتعلثن بأمور شتى، وإن وصلت الأمور ولم يكن هناك فكاك، فستبحث الطبيبة المواطنة عن وسيلة مساعدة بينها وبين المريض المواطن البائس، كأن تكون في النصف فيليبينية أو ''سستر'' هندية، من غرس هذه العقلية التحريمية والتجريمية والجنسية والتخوينية وسوء الظن وعدم الثقة، فامرأة ورجل، لابد وأن يكون ثالثهما الشيطان، لا ثقة ولا أخلاق ولا قيم ولا دين ولا تعليم ولا تحضر يمكن أن يردع الإنسان عن غيّه، وتفكيره الحيواني، فالمرأة في نظر الكثير أداة غواية وسهلة الانقياد والصيد، والرجل مشكوك في ذمته، ولا يتأمن سنور على شحمة· انتابتني تلك الأفكار، وأنا غير قادر على أن أجلس براحتي، ويضيق بي مقعد الطائرة بما رحب، حين جلست بجانبي امرأة تتشح بسواد الشيلة والعباءة، وهمست همساً بالسلام، حين همت بالجلوس، ورردت أنا التحية بأحسن منها، لكي يكتشف كل منا لهجة الآخر، رافعاً رأسي صوبها بطريقة تلقائية وطبيعية حينما يسمع الإنسان الصوت، لكنني كسرت عيّنيّ، وختلت في مكاني، وقلت في خاطري ''شو هالنشبة هاليوم؟''· عم الصمت، ولمحتها بطرف عين تقرأ كتاب أدعية السفر، وفي مصحف صغير، فجلست أعد أنفاسي، وأتحاشى كثرة الحركة، داعياً أن لا تأتيني عطسة مفاجئة أزيّغ حمامة فؤادها، متأملاً كيف ستنقضي هذه الساعات السبع العجاف· مرة·· قلت سأكذب عليها، وسأقول لها إنني لبناني، بلكي بتنفرج شوية، وتطرى حالة التشنج الذي نعيش ساعاتها الطوال، فتذكرت أن لا سلسلة ذهب في العنق، ولا ''بلاك'' في اليد ولا نظارة شمسية تستقر على الشعر اللامع بالجل، ثم الشيفة مش شيفة لبناني عنده ''بزنيس'' فغيرت رأيي، وتحيدت أن فاجئتني بسؤال عن المنبت، ما لي غير الصحراء العربية الكبرى، ما شي لي زبنة غير عند إخواننا الليبيين، السحنة تتشابة واللهجة تتقارب، ما عليك إلا تزويد وتيرة الصوت، مع الإدغام، وتجعل نفسك دائماً مش فاضي، تنفست الصعداء، حتى أنها شعرت بتغير حصل في تجاويف صدر الجار غير المرغوب فيه من جانبها، وشعرت أنا في خدي بسخونة ترعى العنق، ولم أجسر أن ألتفت أو أرفع عيني، لأنها كانت تشبرني أو تريد أن تتأكد من نواياي، فقلت في داخلي لعلني تحركت ولامست أطرافي أطرافها من غير ما أشعر، فترجمتها مباشرة إلى فعل مناف للحياء أو تحرش جنسي، فازداد لهيب عنقي، وكادت رقبتي أن تتصبب عرقاً بارداً، متخوفاً من تلك الصرخة النسائية التي تسكن في صدر الأنثى ولا تعرف متى تنطلق؟ ومتى تطلقها؟ وعادة ما تكون على سوء فهم أو خطأ غير مقصود، وكثيراً بدعوى جذب الانتباه، وكثيراً جداً من أجل الانتقام من أي رجل، فقلت لو صرخت هذه الآدمية، وكانت هي على خطأ، وأنا على صواب، فلن يصدقني أحد، ولو كنت شيخ الأزهر نفسه، ولو أخرجت مصحفي ومسباحي، باطّاً نفسي بأغلظ الأيمان، وأنني مثال للزوج المثالي والملتزم، وأنني من غير أولي الإربة من الرجال، وأن السُكَّر ''مبهدلني بهدلة'' وأنني لا أشفع ولا أنفع، فلن تجد من تسول له نفسه تصديقك من الجمع الغفير الذي أول ما تبادر إلى أذهانهم فعل الحرام!! وغداً نكمل.