ليس أجمل من فعل الخير، تجد طعمه طيباً في الحلق، وثمة ثوب خليط من السعادة والفرح يطرح عليك هكذا فجأة، يغمرك بالحبور والنور، ويمكن أن يطير بك بجناحي ملك من الملائكة، هكذا هو شعور فعل الخير إن قمت به أو سمعت أن شخصاً قام به أو سعت بك قدم لتفعله أو ترشد إليه، مثل الدال على الخير كفاعله، والخير دائماً كبير بفعله، ولو كان إماطة الأذى عن الطريق! أصابع يد الخير كثيرة، وهناك أشخاص يغسلون يومهم بفعل الخير، ويجعلون ختام ليلهم بالدعاء أن ينعم الله عليهم بعمل الخير، هؤلاء الأشخاص الحقيقيون يرتدون ثوب القناعة والعفة، ويذهبون يسابقون أعمالهم، لكي لا تشير إليهم أو ترشد الناس إليهم، بمثل هؤلاء تكبر المجتمعات، وتتأصل القيم، ويكون الإيمان حاضراً دائماً في القلب، ويؤكده العمل! لا نعرف طعماً واحداً، ومميزاً لفعل الشرّ، يشعر به الناس كلهم أو يتلمسونه جميعهم، وكل واحد يجد طعمه مغايراً، وربما غير مستساغ، ومع ذلك يفعله الجاهلون، هو فعل أحادي، قد يفرح فاعله أو يسرّ فاعله، لكنه لا يتعدّى إلى الآخرين، إلا من خلال ردة فعلهم، استنكاراً واستهجاناً واشمئزازاً! بين فعل الخير وفعل الشرّ، كان صراع الإنسان منذ الأزل، وعليه قامت فلسفات ونظريات وحتى حروب، لكنها كانت تهدف إلى تعقيل الإنسان، وزيادة وعيه، وتثبيت اختياره وقناعاته، بحيث يدرك ما يفرح السماء، وما يغضبها، وما يسعد الشيطان أو يقيده، قد تكون هذه السماء بخيرها في القلب، وقد يكون الشيطان بغوايته في الرأس! فعل الشرّ ضرره أعم،ّ وفعل الخير نفعه أقلّ، وقد يتبادلان الأدوار بحكم دورة الزمن، وتغير الأحوال، لكن للخير عنواناً، وللشرّ ألف عنوان! الخوف من الله قديم وسيظلّ، الخوف من النار قديم وسيظلّ، الخوف من الرعد والبرق قديم وسيظلّ، الخوف من الظلام والمجهول قديم وسيظلّ، الخوف من الموت قديم وسيظلّ، الخوف من مظاهر وغضب الطبيعة قديم وسيظلّ، ما أكثر خوف الإنسان قديماً وجديداً وسيظلّ! لم الخير مرتبط بالفرح في النفوس، والشر مرتبط بالحزن فيها؟ هل وجه الخير أبيض، ووجه الشر أسود؟ أم هي ألوان تطرحها النفوس على أشياء تحبها، وأخرى تكرهها! للفرح على وجوه الناس أكثر من تعبير، بينما للحزن على كل وجوه العالم تعبير وحيد.. ما أقرب الفرح، وأبعد الحزن، لولا هذه الجملة لما شعر الإنسان بالحياة الملونة!