تعيين الطاقات الشابة من الجيل الجديد والمتخرجة من الجامعات الأجنبية، ووضعهم في مقدمة قاطرة الوظائف العامة، أمر جيد في توجهه، ولكن علينا ضبطه، لأننا أصبحنا نرى شاباً لايتجاوز عمره الثلاثين عاماً، رئيساً لمجلس إدارة كذا، ورئيساً تنفيذياً منتدباً في شركة كذا، المسألة مهمة أن نعتمد على الشباب، ونعطيهم الفرص، ونمكنهم من اكتساب الخبرة، علينا أن نعطيهم بقدر مواهبهم، وبقدر استعداداتهم، وبقدر تعمقهم في المسائل الوطنية، وتمكنهم من مفردات الناس والمجتمع، أما أن نتكئ على مخرجات التعليم الأجنبي، والفرح بالأفق الغربي وتمجيده، ونقبضه ثلاث حقائب في اليد، فتبدو الأمور صعبة في الحط والشل، نفهم توجهات المرحلة الجديدة، ونفهم منطق الوقت الجديد، ونفهم أننا قدمنا حيناً من الوقت صاحب الولاء، على صاحب الموهبة، لكن هذا كان نتيجة ظروف نشوء الدولة، وبداية النهوض بالمجتمع، لكن اليوم وبعد 35 عاماً ويزيد، علينا مراجعة النفس، ومن حقنا أن نقدم الغريب صاحب الموهبة المتعلم على القريب صاحب الولاء الجاهل، فلكل زمن منطقه ورجاله، لكن الخوف الذي يجب أن نستشعره من تعيين الكوادر الشابة ذوي الاتجاه الفكري الواحد، والتعليم الموحد، والذين أصبحوا وكأنهم مستنسخين، نفس تفصيلة الكندورة، ونفس الحلاقة الخفيفة، ونفس المصطلحات الإنجليزية التي يجملون بها لغتهم التي يكاد أن يتبرأوا منها، ولا يمنع أن يضعوا بين كل عشر جمل كلمة ''الاستراتيجية'' وبلكنة أميركية، هؤلاء ما يخوفنا منهم أننا لن نستطيع إلا أن نسمع أنفسنا من خلالهم، أو سماع تردد صدى صوتنا على ألسنتهم وفي عقولهم، فهذا الفريق ''الربوت'' لن يعطينا كلمة معاكسة، ولا مشاغبة أو صادقة من النفس عميقة، تبدو الأمور أننا كلما ابتعدنا عن الفطرة، لبسنا قناعاً، وكلما تعلمنا أكثر ارتدينا أقنعة عن قول الحق والنصيحة والحكمة خوفاً من أشياء كثيرة، فما كان يقوله الأجداد من أجل المصلحة والمنفعة، قل قليلاً عند الآباء، وما كان يقدمه الآباء من قول حسن وقدوة صالحة قل كثيراً عند الأبناء· خلاصة القول، ومن أجل المنفعة العامة، ومن أجل مجتمع متعاف، علينا أن لا نخاف على ''السيستم'' من ناس من خارج ''السيستم'' إذا رغبنا في سماع صوت غير أصواتنا· كنت أتمنى على صحافتنا المحلية، وقنواتنا الوطنية لو أنها اهتمت بمسألة الهوية الوطنية، والصعوبات والتحديات التي تواجهها، مثلما اهتمت بقضية ''دقة الزار'' و''السوا'' التي ظهرت في الوسط الرياضي ''غير المتماسك'' لو فعلت وسائلنا الإعلامية لكان الوطن اليوم غير، وما أثرّ فيه ''سوا'' الآخرين· أعترف·· وأنا فرح بذكاء التسمية التي اختيرت للمنطقة الإعلامية الجديدة في أبوظبي'' تو فور - فيفتي فور'' متمنياً أن يضاف لها خدمة ''تونتي فور''، ومنها إلى الأمام، وإلى الأمام دائماً، وليس مثل عادتنا الإعلامية القديمة، خطوة للأمام·· خطوتان للخلف!