الشعوذة أمر من أمور التخلف والانحطاط الفكري والتدني الثقافي، لا يلجأ إليها إلا كل ناقص يعاني من مركبات النقص، وعقد الخوف من الفشل وتفوق الآخر ونجاحه·· لا يلجأ الى الشعوذة إلا كل من يعاني من الشك في قدراته وإمكاناته·· في الزمان القديم الجديد كانت الشعوذة سوقاً رائجة لدى النسا، وكذلك بعض الرجال، وكانت أعمال السوا تلقى رضا وقبولا وقناعة من الناس، وفي غياب التفكير العلمي والوعي الثقافي، كان اللجوء الى الشعوذة حلاً ناجزاً يعين كثيرا من الفئات الاجتماعية التي تجد نفسها عاجزة عن تحقيق أهدافها وطموحاتها وآمالها·· والمجتمعات التي تعاني من الفقر والجهل يجد أفرادها عجزاً فادحاً أمام الكثير من الظواهر الغيبية واللا محسوسة واللا ملموسة، الأمر الذي كان طريقاً سهلاً وطيعاً أمام المشعوذين الذين يسخرون إمكاناتهم الروحية وقدراتهم النفسية في السيطرة على الأشخاص وإغوائهم وإلهائهم بطلاسم وخزعبلات وأساليب مبهمة وغامضة يحسبها الجاهلون أنها حقائق تدبرها أشخاص أنيطت بهم قدرات فائقة وخارقة لا يمتلكها الأشخاص العاديون· الخوف من الظواهر الطبيعية وإحساس الإنسان بضآلته أمام هذا الكون الفسيح الوسيع، أوجد حالة من الشغف الى معرفة المجهول، والى المحاولة المستميتة للسيطرة على مجاهل المحيط الواسع والشاسع من هذا الكوكب المترامي الأطراف وما بعده وحوله من فضاءات متناهية في البعد والحجم· الإنسان كائن خائف بطبيعته، مرتجف واجف مترقب مترصد، حذر لا يثق بمن حوله، مما يجعله يلجأ الى أفعال الطلسم ليطرد عن كاهله وحوش الخوف والضعف وعقد النقص· وقد استطاع العلم أن يفك رموز الطلاسم بالحجة والبرهان والأدلة العلمية، لكن هذه القدرات العلمية تقف أحياناً عاجزة عن إقناع من لم يتحرر من أصفاد خوفه، ومن لم يتخلص من أغلال عقده، لذا ساهم هذا العجز في انتشار وباء الشعوذة وسطوع نجم تجار استغلوا تدني الوعي لفرض شريعتهم وبسط نفوذهم والسيطرة على أفئدة الكثيرين الذين يذهبون الى أفخاخ المشعوذين بإرادة مسلوبة وعزيمة مغلوبة، وعقول مضروبة، ونفوس مقلوبة رأساً على عقب لا تملك غير الخضوع والركوع لكل حادب نادب غاصب كاذب يمارس دور الممثل الفذ والجهبذ في بسط إرادته على من يجلس أمامه· الشعوذة مرض نفسي ينتشر وباؤه في المستنقعات والضواحي البشرية المهمشة والهشة والمرتعشة من ويل وعويل وقلة حيلة وحيل· الشعوذة قدر الذين لا قدر لهم على مواجهة أعباء الحياة ومعاركها الدامية والحامية في سبيل عيش بلا شظف أو حيف أو زيف· الشعوذة حلم المهرطقين والمزندقين والمارقين والمقامرين والمغامرين والمتاجرين بإرادات البشر، والعابثين بأحلامهم وآمالهم ورغباتهم· البعض يطلق على الشعوذة وصف السحر، وما الساحر إلا كائن امتلك قدرات فائقة يستطيع من خلالها تقييد حرية الآخرين في التفكير وشل إرادته واستعباده ووضعه رهن التصرف وقيد التنفيذ اللا إرادي· الشعوذة أكذوبة كبرى نحن الذين نصفها ونحن الذين نصدقها، ونحن الذين نعاني من ويلاتها وحسراتها وآلامها·· الشعوذة لا تخرج إلا من ظلام لتدلف في عقل بلا حزام ناسف ينسف الشراك الشائكة ويفك رموز المهزلة البشرية وينتصر للعقل والعلم والحلم البشري في صناعة غد الإنسان بلا أورام نفسية أو تراكمات هي فيض من تاريخ ما قبل التاريخ·