مهما بذلت الدولة ومهما عملت من جهد وقدمت وأجزلت وأكرمت وعدلت وغيّرت وزيّنت وجمّلت يبقى الإنسان صلب العملية التطويرية في أي بلد، ويبقى الإنسان هو الأداة التي يمكن أن تعمر أو تدمر.. في بلادنا تعمل الدولة بجهد لا مثيل له من أجل ترتيب وتشذيب البنية التحتية لتوفير أقصى ما يحتاجه الإنسان ويؤمن راحته واستقراره، وطمأنته وسعادته إلا أن بعض النفوس تبدو رثة، وغثة، لا تعترف إلا بالفوضى وتمريغ الأحوال في الأوحال، وتشويه المعالم الجميلة إلى عالم قبيح وشائه ورديء. بعض الأشخاص يستسهلون كسر الممنوع ويستسيغون الخروج على وشم القيم العالية واستباحة المال العام لأنهم أنانيون ذاتيون لا يحبون إلا أنفسهم، فعندما تشاهد سائق سيارة يمتطي ظهر الرصيف، ويتخبط بسيارته، ويتجاوز حدود الممنوع، ويخترق الحواجز المعدة من أجل تحديد المسارات وتوظيف الأرصفة ويقبع فوقها وكأنه في سباق كسر الحواجز، تشعر أن مثل هؤلاء قد تخلوا عن أبسط القيم الأخلاقية وأنهم وضعوا ضمائرهم في ثلاجات عالية التبريد، ودخلوا في الأماكن الممنوعة بقلوب جفت عنها منابع الإحساس وعقول جافاها البصر والبصيرة، فانسلوا كاللصوص، يعبثون بعجلات حمقاء بأرصفة أنشئت من أجل جمال المدينة ورونقها، وأناقتها. عندما تشاهد مثل هذه المناظر المؤذية للعين تشعر بـ«وإنماالأمم الأخلاق»، فإن ذهبت الأخلاق فلا رادع ولا وازع، يستطيع أن يكبح جماح الثيران الهائجة، ولا قوة في الدنيا يمكن أن تعدل من أخلاق الإنسان إذا لم يتمكن هو من الالتزام بأخلاق الناس، وقيم المجتمع. عندما ترى مثل هذه التصرفات تشعر بمدى ضآلة هؤلاء الناس وهم يتسللون خفية بعيداً عن أعين الرقباء، مختالين متباهين بما يفعلونه من سلوكيات مشينة، لا تعبر إلا عن ثقافة متدنية وأخلاق بذيئة ومنهج حياتي سيئ جداً. عندما ترى مثل هذه الأخلاقيات تشعر بالصدمة الحضارية وتشعر بالدهشة حيال أشخاص اعتنوا كثيراً بالتسويف والإسفاف والاستخفاف، وتمادوا أكثر في خلق واقع لا يتلاءم مع أخلاق البلد، ولا ينسجم أبداً مع البذل السخي الذي يقدمه البلد من أجل صياغة مجتمع يرقى إلى مستوى المجتمعات المتطورة، فبعضهم وضع نفسه فوق القانون وعلى رأس الضوابط فلا يلتفت إلى أعراف ولا تثنيه تحذيرات، بل هو هكذا يتعمد مع سبق الإصرار السير ضد الأنظمة وضد القوانين. شاهدت بعيني أشخاصاً يقودون سياراتهم في الشوارع الداخلية ويمرون بهذه السيارات على الأماكن المزروعة والأرصفة الحاجزة ما بين الطريق العام والممرات الداخلية، فقط لأنهم لا يريدون أن يكلفوا أنفسهم السير لبضعة أمتار والوصول إلى الشارع العام عبر المداخل المشروعة.. رأيت هذه المشاهد المخزية وشعرت بالأسى لأن الذين لا يخجلون يفعلون ما يريدون بلا تأنيب ضمير أو خشية من عقاب قانوني.