يا حامل الأثقال خففها شوي ، هذه جملة يومية يرددها الطالب الصغير في المرحلة الابتدائية الأولى في الطابور الصباحي وقبل النشيد الوطني، وأثناء ذهابه وإيابه من المدرسة·· هذا الصغير يحمل من أعباء الزمن وأهوال المنهج المدرسي، ما لا تحمله الجبال ولا تطيقه الأرض التي يمشي عليها·· حقائب مدرسية أصبحت كأكياس الإسمنت أو الأرز ذات الأربعين كيلوجراماً، والصغير ينحني وينكوي، ويلهث وينفث، ويحرث من طاقته الجسدية والنفسية لعله يستطيع أن يقاوم ويداوم، في كل يوم على حال، أصبح من المحال تحمله وتكبده· الصغير يشعر وكأنه محكوم عليه بالأشغال الشاقة والمؤبد، ويشعر أنه ذاهب الى معركة دامية، لابد أن يتحمل مسؤوليتها حتى وإن انفصلت فقرات عظمه الفقري، وتقافزت أضلاعه الغضة الصغيرة، وانتفخت أوداجه، وتقوست ساقاه، والتوت ذراعاه· أصبح أمر حمل الحقائب الملغمة، المدغمة برزم الكتب والدفاتر وما صاحبها من أدوات مدرسية أخرى، شرا لابد منه وإلا أصبح خارج السرب، لا ينال غير العتب والغضب من مدرسيه· نقول إننا نريد أن نتطور وأن نخرج من دائرة الرتابة والروتين، ونتحدث عن التعليم الجاد والحديث الذي يخاطب العقل ويعمل عمل السحر في ذهن الطالب، ونحن ما زلنا نلقي على كاهله البض الغض هذه الأكوام من الكتب وما قذفت به مخازن وزارة التربية، نتحدث عن التعليم الحديث ونحن ما زلنا نحتقر أكبادنا ونسخر منها، ونحول أبناءنا الى أحمال أسية · نقول يا جماعة الخير·· الطالب الصغير الذي يشعر بالكراهية، لما يحمله على كتفه أو ظهره لن يكون في يوم من الأيام مبدعاً، ولن تخرج المدارس غير كارهين وناقمين وحاقدين على العلم والتعليم·· الطالب الذي لا يشعر بالحميمية تجاه الكتاب الذي بين يديه لن يحبه ولن يصبح له رفيقاً في يوم من الأيام، وبالتالي لن يستفيد منه، ولن يأخذ منه ما يفيد· لا أدري لماذا لا تفكر وزارة التربية والتعليم والإدارات المدرسية في جدولة المواد المدرسية، بدلاً من هذا الطيف المختلف الألوان والأشكال من المواد التي تفرض على الطالب ودراستها في اليوم الواحد حتى يستفيد علمياً ويتخفف من هذا الكم الهائل من المواد المتنوعة، والمتعددة التي لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها حتى ولو كان في جمجمته الصغيرة عقل بل جيتس · احترام جسد الطالب جزء من احترام عقله، واحترام العقل غاية التقدم والتحضر الذي ننشده، وتصبو إليه وزارة التربية، لذلك نريد من وزارتنا الموقرة أن تلتفت الى أبنائها، وأن توليهم الاهتمام المطلوب، والتقدير المرغوب، وأن تمنع عنهم هذا الويل وهذا السيل، وهذا الكيل الثقيل من الحقائب ذات الحمل الكاذب·· نريد من وزارتنا أن توجه موجهيها ليسدوا النصائح المفيدة وليقدموا الاقتراحات المجدية التي تخدم ولا تقصم، تفهم ولا تعدم، تطور ولا تكور، تجذر علماً ولا تبذر فهماً