في كل مرة أتردد فيها على قسم الترخيص بمرور أبوظبي، ألمس جديداً يتعلق بالارتقاء بالأداء والتسهيل على الجمهور. وأتذكر كيف كان إنهاء معاملة تجديد ملكية السيارة، خاصة عندما تكون قديمة بعض الشيء، قطعة من العذاب والمعاناة، وتعني البحث عن صديق أو قريب يعمل في تلك الإدارة. اليوم معاملة الإنجاز لا تستغرق أكثر من عشر دقائق، من بدء الفحص الفني الذي أنيط بفنيين متخصصين تابعين لشركة وطنية، وحتى سداد الرسم وتسلم بطاقة الملكية على يد طاقم إداري يضم ثلة من بنات الوطن، في زمن قياسي وبأقل كمية من الأوراق والمستندات. أتذكر كيف كان الأمر يتطلب صوراً من جواز السفر أو خلاصة القيد أو “البطاقة”وكتاباً من مقر العمل وأوراقاً لا حصر لها. ومع هذه النقلة يستغرب المرء كيف ما زالت بعض الدوائر والمؤسسات عندنا غارقة في بحور الورق، بينما العالم يتجه للتخلص من هذه الأوراق، ويتحرر من القيود والبيروقراطية. وتجدها تستورد خبراء وخبرات من بعيد، بينما تجارب ناجحة ومتفوقة مثل هذه التجارب التي تجري في مرور أبوظبي، غير بعيدة عنهم. وهي تجربة تتماهى مع استراتيجية حكومة أبوظبي بأن تصبح ضمن أفضل حكومات العالم. وعندما تتأمل المشهد في إدارة الترخيص من مرور أبوظبي، تلمس الهدوء والسكينة اللذين يسودان المكان، لأن تبسيط الإجراءات وانتفاء التعقيدات، يقضيان على كل مظاهر التكدس البشري والازدحام. فالتعقيد يفرخ ممارسات غير سوية، ولعل في مقدمتها البحث عن واسطة، ومع هذه الآفة تظهر آفات أخرى أخطر، ومن يتابع تفشى الفساد في بعض المجتمعات والأوساط يدرك كيف أنها لا تزدهر إلا مع زيادة التعقيدات وتكريس البيروقراطية، وفي هذا البيئات المريضة تتورم ذات الموظفين الذين يعتقدون أنهم قد أوتوا المقدرة في التحكم بمصائر من تقودهم الظروف تحت رحمة تواقيعهم، التي ترتفع أثمانها في بورصة المصالح، كل بحسب ما يمثل والموقع الذي يحتل. أن ما بلغته إدارات مرور أبوظبي والعديد من الدوائر والجهات من تخلص من التعقيدات والروتين لم يكن إلا ثمرة جهد كبير ورحلة طويلة سارت فيها حلقات العمل من تطور إلى آخر من أجل هدف استراتيجي واضح، يتمثل في تعزيز الشفافية والارتقاء بالأداء والتسهيل على المراجعين، الذين تغيرت النظرة نحوهم، باعتبارهم شركاء مستهدفين من أي إنجاز يتحقق هنا أو هناك. وهي نتاج نظرة بعيدة المدى بأن وجود مثل هذه البيئة الجاذبة يمثل مفتاحاً للنجاح الذي يقود إلى نجاحات أكبر على مختلف المستويات والمجالات. وقد كان هذا النجاح الذي تحقق في العديد من الدوائر والمؤسسات في أبوظبي، محل إقبال الكثير من الشركات العالمية التي اتخذت مقار وفروعاً لها في الأرض التي باتت في حالة سباق نحو التميز. وفي الوقت الذي نجدد فيه الدعوة لاستنساخ مثل هذه التجارب الناجحة في التقليل من الاعتماد على تكديس الأوراق في المعاملة الواحدة، نجدد التحية والتقدير لكل أولئك الذين يحرصون علي تقديم خدمة متميزة للجمهور في قسم الترخيص بمرور أبوظبي من دون أن تفارقهم الابتسامة .