المعرفة هي من بديهيات الحياة، لذلك يتوجب العمل على ترسيخ مفاهيمها من أجل الرقي العالمي والحفاظ على الموروث الحضاري. ومن باب المعاصرة تجددت وسائل المعرفة، وأصبحت وسائل الإعلام بتقنياتها الحديثة جزءا من منظومة الحراك اليومي، وباتت هذه الوسائل تغذي العالم في سياق الحياة وتطورها! في بداية الوسائل كان المذياع، أما الأخبار السياسية فكانت هي الذائعة، بينما أخبار العامة فمجرد فسيفساء تتمحور ما بين البيوت والمقاهي.. إذ لم يكن من وسائل الإعلام عموما تتجاوز بيئتها المحلية نحو العالم، بل كان من المضحك أن تسري الخصوصية البحتة على العموم، فليس من شأنها أن ترقى إلى العالمية. وتحت هذه الطائلة تندرج الأخبار الفنية والعائلية لتظل مجتمعية بحتة، بل تظل في طي الكتمان وذلك من جوهر الشأن الشخصي الصرف. وباتت هذه المفاهيم تنحسر ويشوبها شيء من المزج ما بين العام والخاص. فالشخصية العامة أيضا لها خصوصية لا تنكشف بها على الخاصة. ولكن بعد مرور الزمن غيبت الشخصية العامة خصوصيتها تماما وأصبحت المعرفة هي أن تعرف كل شيء، بل أصبحت الخصوصية تتبوأ الأخبار العالمية. وبهذا تراجعت المعرفة المهمة والمؤثرة، ولم تعد السياسة تهيمن كما كانت على منظومة الأخبار العالمية، بل أصبحت أخبار المشاهير ونجوم الفن تنافس الشخصيات السياسية من حيث الخصوصية، كما أصبحت ذات تبعات تاريخية. فمنذ تقلدت “مالين مالروي” نسيج الإعلام، وحتى صعود نجم وصيت مايكل جاكسون، صار “الإعلام الشخصي” العامل الأول في التوجيه والتأثير. ففي حالة جاكسون لم يكن المعيار هو عطاؤه الفني رغم الاعتراف له بالتجديد في عالم “البوب”، إلا أن أخباره الشخصية طغت على كل ما عداها، لناحية سلوكه وشؤونه الصغيرة والعائلية، والتي جعلت وسائل الإعلام العالمية تتهافت على “لوس أنجلوس” لمتابعة ملابسات مماته وطريقة دفنه! ومن قبل ذلك كان الضوء يسلط على الراحلة ديانا، ذلك الضوء الذي طاردها من حي إلى آخر. والوسائل الإعلامية هي نفسها التي استنفرت حول حياتها وتفاصيل دقيقة منها إلى أن ودعتها في حادث أليم يقال بأن الوسائل نفسها كانت وراءه. وإذا جزمنا بأن تلك الشخصيات هي شخصيات عامة وقريبة من الناس، وهو ما يبرر الاستغراق في عملية بحث وتحري حولها، فإن في تلك الحياة، حياة المشاهير من الفنانين والرياضيين ما يستوجب المتابعة والحشرية. أما حياة الأدباء فهي تظل في نظر العامة مقيتة بما يكفي خصوصا وأنهم من سلالة غريبة، والأغرب منهم السياسيون القدماء. ماذا، مثلا، لو كان واحد من السياسيين المقيتين على قيد الحياة، فأي مثير فيها يستهوي وسائل الإعلام؟ إذن، أصبح للمعرفة في هذا الزمن عدة وجوه، تتشابك بخيوط عنكبوتية، على الرغم من التخصص في حقول وميادين مختلفة، ولا يضير المرء في شيء أن يقطف من كل بستان زهرة.