مر اليوم العالمي لمحاربة الرشوة في الثامن من هذا الشهر، ولم يذكره أحد إلا الجمعيات التي تأسست في الدول المتحضرة لمكافحة هذا الفساد المستشري في المجتمعات، وخاصة في المجتمعات العربية والأفريقية والفاسدة في شرق آسيا وأميركا اللاتينية، والتي تعطي للرشوة مسميات ومعاني كثيرة ومبهرة ومفرحة وغير مريضة ولا سقيمة ولا تلوث اليد ولا تعطن الجيب، بحيث يقدم الراشي للمرتشي الرشوة مغلفة بورق لغوي وتشريعي وتحايلي ومسكوت عنه من الطرفين ومصنوع من السولوفان، أما المجتمعات الغربية فتكاد تخلو من الرشوة كونها ظاهرة مجتمعية، وإن ظهرت بعض الحالات كان لها المجتمع بمؤسساته المدنية بالمرصاد، وخاصة وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والبرلمان، معطياً للأشياء مسمياتها الحقيقية، دون أن يفكر أن يكون متسامحاً معها، ولو كان المتهم رئيس جمهورية يوماً ما أو رئيس وزراء، ويمكن أن يتابعوه قضائياً، ولو كان في أرذل العمر! في كل بلد هناك شبح شخص، لا يعرف بين الناس، وبين المتعاملين في التجارة، باسم من أسمائنا، بل يعرّف بالنسبة المئوية التي يأخذها، البعض يسميها حصة، والآخر يطلق عليها عمولة، أو “ كمسيون” أو نظير الجهد، أو أتاوة، أو إكرامية، أو لزوم الشيء أعلاه، أو أدناه، لكن الجميع يرفض أن يسميها رشوة، لأنها كلمة ثقيلة، وفجة، ويعاقب عليها القانون، وتنبذها الأديان السماوية، حيث لُعن الراشي والمرتشي، وتتبرأ منها النظريات الفكرية والأخلاقية، لذلك ابتدعت الشعوب لها مسميات مختلفة، الفرنسيون يدلعونها بكلمة مركبة “ بور بوار” أي من أجل الشرب، أو “بو دو فان” أي قدح من النبيذ، كما يستعملون كلمة بخشيش ذات الأصل التركي، أو بقشيش، كما تنطق عند الفرس والأتراك، وشعوب أخرى تسميها تنفيعة، واليمنيون يطلقون عليها السلط، وهو المال والزيت، أي الزيت الذي يحرك سكك الأدراج المقفلة، والتروس التي تعطل سير المعاملات، ويشترك العراقيون، وأهل بلاد الشام بتسميتها البرطيل، وهي أيضاً ذات أصل تركي، ويبدو أن الأتراك كان لهم باع طويل في قضايا التدليس، أو التمليص، وأهل المغرب يعرفونها بالتدويره أو قهيوه، والجزائريون يقولون، أعطه كمون، أو قهَويه، أي قدم له القهوة، والتونسيون يطلقون عليها خَموّس وعَشّور، أي أنقده من فئة الخمسة أو العشرة دنانير، والسودانيون يسمونها بلصة، أما المصريون، فقد أعياني البحث من كثرة مسمياتها، وصفاتها الغريبة والمضحكة أحياناً، والخليجيون يجمعون على مصطلح “أدهن سيره” أما الكلمة المرادفة للرشوة في الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، فهي”كُربشن و كُربسيون وكُربيثيون”