ونحن نقترب من توديع ضيف عزيز غالٍ، حرص كثيرون على زيارة البقاع الطاهرة لأداء مناسك العمرة في العشر الأواخر من شهر رمضان لما لها من فضل عظيم· إلا أن الكثير من العائدين من أداء المناسك تحدثوا عن مبالغة غير مسبوقة في أسعار الحملات التي تنظم هذه الرحلات الروحانية التي يبتغي المقدم عليها الأجر والثواب، فإذا به يجد نفسه في أتون مطالبات مادية مرهقة· من كان يتصور أن بضعة أيام لا تتعدى في أحايين كثيرة ثلاثة أو أربعة أيام ستكلف المرء ما لا يقل عن عشرة آلاف درهم؟، والكثير من هذه الحملات فرض على الراغبين في السفر معها دفع تكاليف عشرة أيام مقدماً حتى لو كانت مدة الإقامة الفعلية في الاراضي المقدسة لا تتعدى نصف تلك المدة· ورضخ من يريد الأجر العظيم لهذا الشرط الجائر الذي لم يعدم أصحاب الحملات سوق التفسير والمبررات له· وأستعاروا نظريات العرض والطلب، وصالوا وجالوا حول قلة المعروض من فنادق وشقق للإقامة في مكة المكرمة بسبب أعمال التوسعة للحرم المكى الشريف· بعض هذه الحملات لم يتوان عن المتاجرة بتأشيرات الدخول للمملكة العربية السعودية الشقيقة، بالنسبة للإخوة المقيمين· فقد تقاضوا خمسمائة درهم عن التأشيرة للفرد الواحد، على الرغم من أن هذه التأشيرات تمنح مجاناً!!· فبالنسبة لهم هذه مواسم عليهم استغلالها إلى أبعد حدود الاستغلال الممكنة وغير الممكنة· ما حدث في رمضان هذا العام قد حدث، وهو ''بروفة'' للآتي الأكبر، ونعني ما يتعلق برحلات فريضة الحج لهذا العام، والأخبار تتردد عن إشهار أصحاب الحملات سيف المبالغة في الأسعار تحت ذريعة ومبررات، خفض حصة الدولة الى 6 آلاف حاج، وارتفاع تكاليف الإقامة في الديار المقدسة بسبب أعمال التوسعة في الحرم· وبالمبررات ذاتها يحاولون تسويق كلفة أداء فريضة هي ''لمن استطاع إليه سبيلا'' الى ما بين 40 - 140 ألف درهم للفرد الواحد· وذلك بحسب ما يختار الحاج ويفضل من''نجوم'' ودرجات وتسهيلات في رحلة يفترض أساسها الزهد، وعمادها المساواة بين عبادالله الذين يأتون ''شعثا غبراً ملبين النداء''، لا فرق بين أبيض أو أسود ولا بين غني أو فقير· ومن كان في سعة من الرزق وبإمكانه أن يوسع فيما يطلب من خدمات، فذلك لا يعني أن تتمادى حملات الحج بوضع أرقام فلكية أمام الحالمين برحلة العمر· وقد كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء والمعارف في منطقتنا الخليجية، وكانت الدهشة والاستغراب يعقدان ألسنتهم عندما يسمعون بالأرقام الأولية لتكاليف الحج التي يطلبها مقاولو الحملات عندنا· إن هؤلاء قد حولوا مقتدرين على نفقات الحج إلى فئات بحاجة إلى مساعدة لتمكينها من أداء الفريضة، وسط صمت الجهات المختصة أمام ما يجري· وكأن الأمر لا يعنيهم، ويتعلق بسلعة في السوق يسري عليها ''العرض والطلب''، على الرغم من بدء العد التنازلي لموسم حج هذا العام·